"ساوث بارك": ما بعد كوفيد

"ساوث بارك": ما بعد كوفيد

30 نوفمبر 2021
يجد الأبطال أنفسهم أسرى في مدينة طفولتهم (باراماونت +)
+ الخط -

واجه مسلسل التحريك الشهير "ساوث بارك" (South park) العام الفائت أزمة كورونا كغيره من الإنتاجات التلفزيونية، إذ تم تأجيل الموسم 24، لنكتشف بعدها أن فريق العمل قرر استبدال الشكل التقليديّ للحلقات التي يبلغ طولها 20 دقيقة، بالحلقات الخاصة، الأشبه بأفلام تلفزيونيّة طويلة يتراوح طولها بين 45 إلى 60 دقيقة، أُنتج منها اثنان، يتناولان ما يمر به العالم من تغيرات؛ وباء، وحجر صحي، وتردٍ اقتصادي، وعنصرية، وغيرها من الموضوعات التي اكتسحت عالمنا.
أخيراً، بُثت الحلقة الخاصة الثالثة التي تحمل عنوان "ساوث بارك: ما بعد كوفيد"، التي نُفاجأ بأنها تلبي أمنية تكررت لدى المعجبين بالمسلسل على مر السنوات، يمكن تلخيصها بسؤال: كيف سيكون الأطفال الأربعة (كارتمان، ستان، كايل، كيني) حين يصلون إلى سن الرشد؟ وبالفعل، الحلقة الخاصة تبدأ بعد مرور أربعين عاماً على أحداث الحلقة السابقة، أي كأن الوباء والحجر الصحي انتهيا، لكن الأصدقاء افترقوا وأصبح لهم حيوات مستقلة، ليعودوا للقاء في ساوث بارك، بعد أربعين عاماً في جنازة صديقهم كيني، الذي مات بطريقة غامضة.


الزمن الذي تدور فيه الأحداث يسمى "المستقبل"، كل شيء فيه بلا مشاكل، الجميع مصيب سياسياً، كل الأماكن تراعي كل الأطياف الجندرية وتحوي كلمة Plus. كما أن أليكسا، آلة الذكاء الاصطناعي الخاصة بأمازون، أًصبحت شخصاً حقيقياً نزقاً وبذيئاً، لكن لا بد من امتلاكها؛ ففي المستقبل الجميع يضع قناع السعادة، والكل لطيف ومُحب، حتى إيريك كارتمان، أشد الأصدقاء شراً، أصبح رجل أسرةٍ محترما.
لن نحاول إفساد الحلقة لمن لم يشاهدها بعد، لكن المميز أن "ساوث بارك" يسخر هذه المرة من متلازمة النجاة التي أصابت الكثيرين بعد تراجع جائحة كوفيد 19، والاتفاق الجديد بين البشر على ضرورة تجاوز كل المشاكل، ولو عنى ذلك العيش بكآبة، ولا جدوى.

لكن المفارقة، أن غياب المشكلات، يعني غياب الجدل، والعيش بصورة أقرب إلى الروبوتات، حيث العملات الرقمية إجبارية، الأطفال مختفون دوماً وراء نظارات العالم الافتراضي.
وفاة كيني، التي تجمع الأصدقاء مرة أخرى في "ساوث بارك"، تكشف عن مدى التغير الذي أصابهم؛ إذ تحولوا إلى غرباء، لكنهم فجأة يجدون أنفسهم أسرى في مدينة طفولتهم. السبب هو أن واحداً من أصدقائهم القدامى لم يتلقح، أو رافض للقاح، ما يعني إمكانية حمله للفايروس. وإثر هذ الاكتشاف، تسارع كل القوى العسكرية في الولايات المتحدة لوضعهم تحت الحجر الصحي ومنعهم من المغادرة، في سخرية واضحة من معادي اللقاحات، وما يمكن أن يسببوه للآخرين من تهديد وتعطيل للحياة. والأهم، رد فعل السلطة المبالغ به تجاه رافضي اللقاح.
المستقبل المتخيّل في "ساوث بارك"، خال من الجدوى، حتى كيني الذي أصبح عالماً شهيراً يحاول إيجاد حل لمشكلات العالم، وجد نفسه أسير نظرية مصدر الوباء، وكأنها المشكلة الوحيدة التي لا بد من حلها. هذه السخرية من فكرة مصدر الوباء والمريض واحد ولحظة البداية، سببها تحول فكرة اكتشاف المصدر إلى هدف يشغل حياة الكثيرين، خصوصاً في "مستقبل" خال من أي صراع.
هنا، تظهر محاولة استعادة "الطفولة" كحل لمشكلة الحزن والأسى الذي يهيمن على الجميع، إذ يكتشف الأصدقاء الثلاثة أن سبب حزنهم وتكاسلهم هو تخليهم عن حماسهم الطفولي، وهجرهم للحس بالمغامرة، ذاك الذي ساقهم إلى تحديات غير محسوبة ومليئة بالاكتشافات، ومغامرات يحضر فيها سانتا كلوز والمنشفة الناطقة، وغيرها من الشخصيات التي يبدو أنها كانت محض خيال، كوننا لا نراها بينهم، بل نشاهد فقط الأصدقاء يتحسرون على غيابها.

سينما ودراما
التحديثات الحية

المثير للاهتمام في هذه الحلقة هو عبارة "ما بعد كوفيد"، وكأن هذا الحدث الاستثنائي الذي أصاب البشرية بأكملها، غير من طبيعة تكويننا الاجتماعيّ، إلى درجة الاستغناء كلياً عن الأصدقاء والوسط الاجتماعي المألوف، والانتقال إلى مرحلة جديدة. هذا ما يبرر ربما تحول كارتمان إلى حاخام، وكأنه أدرك أن سخطه وغضبه هو سبب تعاسته، لكن بعض الآراء، تؤكد أن لا شيء يتغير؛ فالمستقبل ما زال تعيساً بالرغم من وجود التكنولوجيا وتطورها، أما كارتمان، فليس إلا مخادعاً يحاول السخرية من كايل عبر نكتة عمل على إنجازها لأربعين عاماً، لكن هذا ما لن نعرفه إلا في الحلقة الخاصة القادمة.

المساهمون