"حماية": تفكيكٌ عاديّ لنفوسٍ وعلاقات

"حماية": تفكيكٌ عاديّ لنفوسٍ وعلاقات

01 سبتمبر 2021
ماركو داموري: مراقبة في كلّ مكانٍ (ياكوبو راوُلي/ Getty)
+ الخط -

للكلمة الإنكليزية Security أكثر من معنى عربيّ. الفيلم الإيطالي الجديد (2021، 118 دقيقة، "نتفليكس")، للبريطاني بيتر تْشَلْسوم، يحمل تلك المعاني المتقاربة في مضامينها إلى حدّ ما: أمن، حماية، ضمانة. هناك معانٍ أخرى غيرها، لكنّها غير متوافقة مع الحبكة الدرامية، التي تُروى بعينيّ مسؤول شركة أمنية (يوصف بكونه خبيراً أمنياً خاصّاً)، يُدعى روبرتو سانتيني (ماركو داموري)، في "فورتي دي مارْمي" (شمال إيطاليا).

الحبكة، التي تبدأ ببحثِ شابّةٍ مُصابة بكدمات وجروح عن منزلٍ يحميها من خطرٍ يُلاحقها، تكشف أكثر من مُخبّأ في علاقاتٍ عائلية واجتماعية وحياتية، في تلك المدينة التي يُقيم فيها أثرياء، والذين يريدون لمنازلهم الفخمة حماية أمنية خاصّة، يؤمّنها لهم روبرتو ومساعداته.

الشابّة تُدعى ماريا سبيتزي (بياتريتشي غرانّو)، ابنة والتر (توماسو رانيو)، "المتّهم" قبل سنين عدّة باعتداء جنسي على الصغيرة أنجيلا (تؤدّي لودوفيكا مارتينو دورها عندما تُصبح شابّة) ابنة روبرتو وكلاوديا رافاييلي سانتيني (مايا سانسا)، التي (كلاوديا) تجهد للفوز في انتخابات رئاسة البلدية، بعد انفصالٍ شبه تام عن زوجها، المُغرم بإلينا فانتيني (فاليريا بيليلّو). لكنّ أنجيلا، رغم صغر سنّها، تنفي الاعتداء، وروبرتو متيقنٌ من براءة والتر، فما يُظَنّ حينها أنّه سائله المنوي ليس سوى مياه تُبلّل الصغيرة خطأ.

 

 

تفصيلٌ كهذا يُكشَف عنه لاحقاً. ماريا تريد ملجأ آمناً في تلك الليلة، وكاميرات المراقبة، الموضوعة في منازل وأمكنة كثيرة من قِبل شركة روبرتو، تُظهر سعيها إلى نجاةٍ مما يُعرف لاحقاً باغتصابٍ وتعنيفٍ جسديّ، يعتقد كثيرون أنّ والدها (بسبب تهمته القديمة) سببٌ لهما. تحقيقات تُجرى، بالتزامن مع تبيان علاقات كلاوديا بأثرياء في المنطقة، ومع تعرية بيئةٍ منغلقة على نفسها، وتفكّكٍ يُصيب عائلاتٍ وعلاقاتٍ. أنجيلا نفسها مُغرمة بأستاذ الأدب ستفانو تومازي (سيلفيو موتْشينو)، الذي يدّعي انشغاله بكتابة رواية، قبل أنْ يخبرها بأنّه يكتب سيرة كورتزيو بيلاتي (فابريتزيو بنتِفوليو)، أحد أثرياء المدينة، الذي يُموِّل الحملة الانتخابية لكلاوديا (في سياق الفيلم، يتبيّن أنّ له أدواراً سلبية في مسائل وتفاصيل).

بهذا، يُصبح "حماية" (أو أمن) فيلماً يمزج التشويق بالعقد النفسية، والسياسة بالأخلاق وانعدامها، والتحقيق البوليسي بالتحليل النفسي، من دون خروجه من إطاره العاديّ في حِرفية اشتغال مهنيّ، يلتزم قواعد المفردات السينمائية تلك، صانعاً منها شريطاً مُسلّياً، خصوصاً بالنسبة إلى هواة النوع.

كشف الحقائق يترافق مع تبيانٍ بصريّ لنزاعات عائلية واجتماعية، ومسار التحقيقات يؤدّي إلى فضح جوانب معتمة في نفوسٍ وعقول. المتّهم بالاعتداء الجسدي بريءٌ منذ لحظة الاتّهام، والشخصيات المختبئة في ثرائها الماليّ تتعرّى أمام عدسات كاميرات المراقبة، المزروعة في كلّ مكانٍ.

المساهمون