"حدود متجاوزة" على "نتفليكس": قبل أن تُخطف الأرض

"حدود متجاوزة" على "نتفليكس": قبل أن تُخطف الأرض

09 يونيو 2021
ديفيد أتينبارا هو المعلق الرئيسي في الوثائقي (نتفليكس)
+ الخط -

عام 2012 ثارت بعض عناوين الصحف في السويد، بعد أن جاء علماء من المملكة المتحدة إلى منطقة جنوب البلاد، من أجل الاستحواذ على مائة من ملكات النحل الطنانة قصيرة الشعر، وعادوا بها إلى بلادهم. الصحف الإنكليزية احتفت "بعودة" هذه الكائنات إلى برية بريطانيا لأول مرة منذ انقراضها منها عام 1988، لكن يبدو أن الحدث أثّر في السويديين الذين اعتبروه سرقة وتعدياً على بلادهم وطبيعتها.

يعود بنا العالم السويدي يوهان روكستروم إلى هذه القصة، في وثائقي منصة "نتفلكيس" الجديد "حدود متجاوزة: كوكبنا من منظور علمي" (Beyond Borders: Our Planet from a Scientific Perspective). يقول يوهان إنه بعد أن قرأ عن سرقة الإنكليز النحلات من السويد، أدرك أن تراجع التنوع الحيوي وصل إلى حدود غاية في الجدية. من اسم الوثائقي نفسه، يتضح موضوعه السوداوي والمقلق الذي بات يؤرّق العلماء وصانعي وثائقيات الطبيعة: التغير المناخي وأثره في بيئات الأرض.

يحاول "حدود متجاوزة" معالجة موضوع التغير المناخي وتبعاته وأثره في زعزعة استقرار الطبيعة من زاوية جديدة تركّز على كوكبنا من منظور علمي. في البداية، يُفسر يوهان - وهو الشخصية الرئيسية في الوثائقي - رسماً بيانياً يوضّح تقلّبات درجة حرارة الأرض منذ ظهور الإنسان المعاصر، قبل نحو مائة ألف سنة. يقول يوهان واصفًا التقلبات: "في غضون عقد، كانت (درجة حرارة الأرض) تقفز بين 10 درجات مئوية، سواء بالزيادة أو النقصان". وفي آخر 10 آلاف سنة، استقرّت درجة الحرارة بين موجب وسالب درجة مئوية واحدة، وتسمى هذه الفترة الجيولوجية بالعصر الهولوسيني الذي تميز باستقرار درجة الحرارة، ما انعكس على استقرار المواسم وسهولة تنبّؤ الطقس واستقرار مستوى البحار. كل ذلك ساعد في توفير بيئة مناسبة للزراعة وبناء المدن والتطور الحضاري المستمر.

يقول المعلق الرئيسي، ديفيد أتينبارا، إن البشرية استغلت هذا الاستقرار لأقصى حدود ممكنة. سريعاً، سينتقل الوثائقي للحديث عن كل المخاطر البيئية التي تهدد المحاصيل والمدن وغيرها؛ ذوبان الجليد بمعدلات مقلقة، وارتفاع كبير في مستوى البحار، ما سيُغير من شكل الشواطئ وسيغمر المزيد من المدن الساحلية. الحدود المتجاوزة في الوثائقي هي الحدود التي ستتسبب في زعزعة استقرار بيئة الأرض إذا تم تجاوزها. والمقصود بزعزعة الاستقرار هو التهديدات البيئية والمناخية الفجائية التي قد تظهر بشكل لا يمكن تنبؤه.

يحدد يوهان ومجموعة من العلماء تسعة "مكونات" أساسية مسؤولة عن استقرار بيئة الأرض، هي: العناصر الغذائية اللازمة للكائنات الحية، ووفرة المياه العذبة، والغابات، والتنوع الحيوي، والمناخ. هناك أيضاً: درجة حموضة المحيطات، ومدى نقاء أو تلوث الهواء، وتركيز ما يسمى بالـ "كيانات المستحدثة"، وهي المواد الكيميائية والملوثات الأخرى الناتجة عن مواد جديدة أنتجها الإنسان، وأخيراً استقرار طبقة الأوزون. نفهم من الوثائقي أن هذه "المكونات" التسعة مسؤولة عن الاستقرار، وأن أي اختلال في واحد قد يهدد بيئة الأرض ككل في النهاية، لأن الأنظمة البيئية جميعها مرتبطة بعضها ببعض.

في واحدة من أحدث الدراسات العلمية حول "نقاط التحول"، حدد علماء من "جامعة نورثمبريا"، في مقالة نشروها في مجلة The Cryosphere 3، نقاط تحول في جزيرة الصنوبر الجليدي غرب أنتاركتيكا، منها ارتفاع درجة حرارة المحيط بـ 1.2 درجة مئوية، وعند تجاوز هذه النقاط يصبح من غير الممكن تعويض ما خسرته المنطقة من جليد.

المفهوم العلمي الأساسي في الوثائقي: "نقاط التحول" أو Tipping Points، لم يتم إشباعه وشرحه علمياً بشكل كاف، فلا يبدو الهدف من الوثائقي شرح العلم، بقدر ما يريد إثارة القلق أو الاهتمام عند المتابعين بالمخاطر المحدقة بالكوكب، وحثهم على العمل من أجل التغيير. لكن العمل يلتزم أيضاً بالإشارة إلى وجود الأمل، باعتبار أن الأوان لم يفت بعد. والحديث عن هذا الأمل صار لازمة لأي وثائقي من هذا النوع، إضافة طبعاً إلى مجموعة من التوصيات التي نسمعها في كل مرة عن ضرورة تغيير أسلوب الحياة، بالاعتماد على مصادر نظيفة للطاقة، واعتماد نظام غذائي يخلو أو يقلل بدرجة كبيرة من اللحوم، لتقليل الحاجة لمزارع الدواجن والمواشي.

علوم وآثار
التحديثات الحية

بصرياً، يحاول العاملون على الوثائقي توضيح "الحدود المتجاوزة" باستعمال وسائل بصرية غالباً تؤدي الغرض، رغم كونها متواضعة بعض الشيء، وأحياناً تدخل أشكال غريبة تشبه شعيرات أو إشارات عصبية لا معنى لها سوى إثارة ضجة بصرية، ومزيد من الدراما. وربما أسوأ لقطة، هي التي تم فيها تركيب مشاهد النار والحرائق في أستراليا على مقابلة يوهان وهو يتحدث عنها. أراد المخرج تكثيف الدراما والقلق، لكن إشعال العالم الهادئ ومنضبط الأعصاب، بالنار، بدا غريباً ومنفّراً. بشكل عام، كثير من المشاهد المصورة لهذا الوثائقي تكرّرت من قبل في وثائقيات سابقة مرات عدة.

سنرى في الوثائقي علماء من ثقافات مختلفة يشرحون آثار التغيرات البيئية، لكنهم يمرون سريعاً، وتوظّف المقابلات معهم لغرض المرور على كل "الحدود التسعة" في 74 دقيقة فقط.

بعيداً عن البيانات العلمية، يقتصر الأثر الإنساني على تجربة الشخصية الرئيسية بين العلماء: يوهان السويدي الذي إلى جانب تأثره بسرقة الإنكليز نحلات من بلاده يتحدث لنا عن تجارب أثر التغير المناخي على الثقافة السويدية وحزن الإنسان السويدي على انخفاض قمة جبل "كيبنيكايس" وفقدها لمكانتها كأعلى قمة في السويد بسبب ذوبان الجليد أو تغيّر شكل رحلات صيده في بحر البلطيق التي أمست أقل بهجة. نراه عندها في مشهد جميل وحزين، وحيداً مع قاربه في البحر.

الوثائقيات التي تعالج موضوع التغير المناخي بشكل عام غالباً ما تخاطب الدول "المتقدمة"، ببساطة لأن المهتمين بهذا الموضوع والعاملين على إنتاج هذا النوع من الوثائقيات، يأتون من هذه الدول. إضافة إلى أن الدراسات عن تأثير التغير المناخي على الثقافة والمعالم في الدول الفقيرة، أو دول "العالم الثالث"، نادرة جداً أو معدومة.

المساهمون