"تيليغرام" والحرب الروسية على أوكرانيا: الدعاية والتضليل

"تيليغرام" والحرب الروسية على أوكرانيا: الدعاية والتضليل

12 مارس 2022
"تيليغرام" في قلب الدعاية السياسيّة بين أوكرانيا وروسيا (Getty)
+ الخط -

أصبح تطبيق التراسل الفوري "تيليغرام" أحد أكثر التطبيقات استخداماً منذ بدء الاجتياح الروسي لأوكرانيا. يستخدمه المسؤولون والمواطنون في البلدين على حد سواء، بالرغم من التساؤلات حول مدى أمنه وتعامله مع التضليل الذي يشوب الكثير من محتواه.

يستخدم العديد من الأشخاص في روسيا التطبيق للوصول إلى الأخبار والمحادثات المتعلقة بأوكرانيا التي لا تسمح السلطات الروسية بنشرها، فيما يستخدمه الأوكرانيون لتنظيم صفوفهم ونقل أخبار الحرب، كما للتنسيق بين المقاتلين.

هكذا، بات "تيليغرام" في قلب الدعاية السياسيّة بين أوكرانيا وروسيا، فيستخدمه المسؤولون الروس لبثّ روايتهم للأحداث، بينما يستخدمه المسؤولون الأوكرانيون للغاية نفسها. تنتشر مقاطع البروباغندا وسط كمّ هائل من أخبار الحرب وتفاصيلها، من دون القدرة على تحديد واضح للحقيقي والزائف منها.

ما هو "تيليغرام"؟

الاستخدام الأساسي للتطبيق هو إرسال رسائل وإنشاء مجموعات منفصلة. هذا التطبيق منصة هجينة تحتوي على محادثات فردية وجماعية يمكن أن تضم ما يصل إلى 200 ألف عضو. ولكن يمكن أيضاً التسجيل لمتابعة الأفراد والشركات والمجموعات، ويمكن أيضاً متابعة المواقع الإخبارية والاشتراك في النشرات الإخبارية للحصول على معلومات خارج وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة، مما يجعل التطبيق حيوياً في أوكرانيا وروسيا على حد سواء. وتزايدت أهمية التطبيق الإخبارية حين أقرّ المشرعون الروس تعديلات على القانون الجنائي جعلت نشر معلومات "كاذبة" جريمة يعاقب عليها بالسجن لمدة تصل إلى 15 عاماً، وقالوا إن أي شخص يدعو إلى فرض عقوبات على روسيا سيتم تغريمه، ما أدى إلى "تعليق عمليات" وسائل إعلام غربية ومستقلة.

أصبح التطبيق منصة تتجه إليها الجماعات الاحتجاجية، من حركات التمرد إلى الجماعات المناهضة للتلقيح، ومن مثيري الشغب في الكابيتول الأميركي إلى الحملات المؤيدة للديمقراطية في دول مثل بيلاروسيا وهونغ كونغ وإيران، المتحالفة مع روسيا. ويضم "تيليغرام" 500 مليون مستخدم يتشاركون المعلومات بشكل فردي وفي مجموعات. لكن استخدام "تيليغرام" كقناة بث أحادية الاتجاه، يمكن للمتابعين الانضمام إليها من دون الرد عليها، يعني أن المحتوى من حسابات غير أصلية يمكن أن يصل بسهولة إلى جماهير كبيرة أسيرة ومتحمسة.

الأوكرانيون و"تيليغرام"

تحولت المنصة التي شارك في تأسيسها الأخوان المليارديران الروسيان، بافيل ونيكولاي دوروف، إلى سلاح رئيسي في معركة الدعاية الرقمية خلال الحرب. فبعد أيام قليلة من غزو روسيا، أرسل الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، رسالة إلى متابعيه على "تيليغرام" من العاصمة كييف دعا فيها مواطنيه إلى مقاومة الهجوم الروسي. نظّم الرئيس الأوكراني حملة عبر "تيليغرام" في الفترة التي سبقت فوزه الساحق في الانتخابات الرئاسية لعام 2019، واليوم ها هو يستخدم الخدمة لدحض المزاعم القائلة بأن الجيش قد طُلب منه إلقاء السلاح، وأنه صدر أمر بالإخلاء، وتحفيز الجماهير من خلال إثبات أنه لن يغادر العاصمة.

يُعتَمَد على التطبيق كمصدر رئيسي للأخبار خارج وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة، وفي الحرب الأوكرانية أصبح شريان الحياة الإخباري على مدار 24 ساعة للمدنيين والصحافيين وحتى الجيش، تقول صحيفة "ذا غارديان" البريطانية.

التضليل وخطورته

بعد يومين من غزو روسيا لأوكرانيا، حث حساب على "تيليغرام"، متنكراً بصفة الرئيس الأوكراني، قواته المسلحة على الاستسلام. لم تكن الرسالة أصلية، إذ سرعان ما نفى فولوديمير زيلينسكي الادعاء على قناته الرسمية في "تيليغرام"، لكن الحادث سلّط الضوء على مشكلة كبيرة: الانتشار السريع من دون رادع للمعلومات المضللة في "تيليغرام". ووصل حساب زيلينسكي المزيف إلى 20 ألف متابع على "تيليغرام" قبل إغلاقه، وهو تدخل يقول الخبراء إنه نادر جداً من طرف إدارة التطبيق.

وبالنسبة إلى رئيسة المجموعة التحليلية للحرب الهجينة في المركز الأوكراني للأزمات ومقره كييف أولكساندرا تسيخانوفسكا، فإن التأثيرات قريبة وبعيدة المدى. وقالت لـ"فرانس برس" إن المنصة "كانت تحظى بشعبية كبيرة حتى قبل الحرب، بين المتطرفين اليمينيين والإرهابيين من جميع أنحاء العالم".

وغالباً ما تنتشر الأخبار الكاذبة عبر المجموعات العامة، أو الدردشات، مع تأثيرات قاتلة محتملة. وقالت تسيخانوفسكا: "شخص ما ينتحل صفة المواطن الأوكراني ينضم إلى الدردشة ويبدأ بنشر معلومات مضللة، أو يجمع البيانات، مثل موقع الملاجئ"، مشيرةً إلى أن الرسائل الكاذبة قد حثت الأوكرانيين على إغلاق هواتفهم في وقت محدد من الليل، نقلاً عن إدارة الأمن السيبراني. ويمكن لمثل هذه التعليمات أن تعرض الناس للخطر، إذ يتلقى المواطنون تحذيرات الضربات الجوية عبر تنبيهات الهاتف الذكي.

بالإضافة إلى ذلك، فإن بنية "تيليغرام" تحد من القدرة على إبطاء انتشار المعلومات الخاطئة: عدم وجود تغذية عامة مركزية، وحقيقة أن التعليقات يمكن تعطيلها بسهولة في القنوات، يقللان من مساحة الرد والتوضيح.

هل "تيليغرام" آمن؟

يشتهر "تيليغرام" بأنه تطبيق مراسلة آمن ولكن يجب على المستخدمين الحذر، وفقاً لموقع "يورونيوز"، إذ تحتوي المنصة على تشفير من طرف إلى طرف لكن ليس تلقائياً. يعني التشفير من طرف إلى طرف أن المنصة لا يمكنها معرفة محتوى رسائل المستخدمين. ويمكن استخدامم التشفير من طرف إلى طرف في "تيليغرام"، لكن فقط للمحادثات الفردية وليس للرسائل الجماعية. ويمكن أيضاً الاشتراك في "الدردشات السرية" التي لا تخزن على خوادم "تيليغرام". ويمكن أيضاً ضبط مؤقت التدمير الذاتي للرسائل بحيث تحذف تلقائياً، وإذا حذف شخص ما رسالة فإنها تختفي على كلا الجهازين.

لكن هناك مخاوف من أن الحكومة الروسية قد تطلب من "تيليغرام" تسليم معلومات المستخدمين. حدث هذا بالفعل عام 2018، لكن "تيليغرام" وقفت في وجه الحكومة الروسية التي رفعت دعوى ضد الشركة أمام المحكمة وحظرت التطبيق لمدة عامين. ومع ذلك، لا يزال بإمكان المستخدمين الوصول إلى التطبيق. ورفضت روسيا القضية عام 2020.

سوشيال ميديا
التحديثات الحية

يمكن للبلدان أيضاً حظر قنوات معينة وتقييد الوصول إليها. على سبيل المثال، في أوروبا، لا يمكن الوصول إلى القنوات الإعلامية الروسية "آر تي" و"سبوتنيك" على "تيليغرام"، بعد قرار الاتحاد الأوروبي بحظرهما بسبب التضليل الإعلامي حول الحرب في أوكرانيا.

كما أنه ليس من الواضح عدد المستخدمين الحقيقيين وعدد الروبوتات، إذ رصد عدة مستخدمين مزيفين على "تيليغرام" يضخمون خطاب الحكومة الروسية أو يزيدون الإعجاب بالمنشورات.

"تيليغرام" يحاول الطمأنة

من الناحية النظرية، يمكن للشركة الوصول إلى محتوى مشفر آخر مخزّن على خوادم "تيليغرام". وهناك مخاوف من احتمال إجبارها على مشاركة بيانات المستخدمين مع روسيا. لكن مؤسس "تيليغرام" كتب الإثنين رسالة، وعد فيها بـ"الالتزام بحماية بيانات المستخدم بأي ثمن". وكتب دوروف أنه قبل تسع سنوات كان الرئيس التنفيذي لمنصة التواصل الروسية VK، وهي شبكة اجتماعية تحظى بشعبية في روسيا وأوكرانيا. وقال في منشور له: "عام 2013، طلبت وكالة الأمن الروسية FSB أن أقدم لها البيانات الخاصة لمستخدمي VK الأوكرانيين الذين كانوا يحتجون على رئيس موالٍ لروسيا". وتابع: "لقد رفضت الامتثال لهذه المطالب، لأن ذلك كان سيعني خيانة مستخدمينا الأوكرانيين (...) بعد ذلك، طُردت من الشركة التي أسستها وأجبرت على مغادرة روسيا".

المساهمون