"بيض فاسد" لـ كارم إبراهيم... رائحة الكبريت والأنظمة

"بيض فاسد" لـ كارم إبراهيم... رائحة الكبريت والأنظمة

08 يونيو 2022
الفنان أثناء تركيبه للتجهيز الفني (العربي الجديد)
+ الخط -

في عمله المشارك في بينالي داكار الدولي للفنون، والمستمر حتى 21 من الشهر الحالي، يعرض الفنان المصري كارم إبراهيم، عملاً تركيبياً تحت عنوان "بيض فاسد". يتكون العمل من ثلاث مجسمات معدنية، إذا ما جُمعت معاً، ستمثل هيكلاً كبيراً ومجوفاً على هيئة بيضة معدنية كبيرة، بطول ثمانية أمتار، ومحيط خمسة أمتار. لا يقتصر العمل، هنا، على عرض هذا المجسم فقط؛ إذ توجد على مسافة من هذا الشكل المعدني، طاولة خشبية تحمل عدداً كبيراً من البيض الفاسد، ودعوة مفتوحة إلى الجميع لإلقاء هذا البيض الفاسد على المجسم المعدني.
يكتمل العمل حين يُلطّخ المجسم تماماً بسائل البيض الفاسد. وفي حين تمتلئ قاعة العرض برائحة الكبريت النفاذة، بفعل هذا العدد الكبير من البيض الفاسد، يشرع الفنان في إلقاء كلمته، مستغرقاً في نقاش محتدم مع جمهور العرض، حول طبيعة العمل والأسباب الشخصية التي دفعته إلى دعوة الجمهور إلى رشقه بالبيض بالفاسد. هذا النقاش يعد جزءاً أصيلاً من العمل كما يقول الفنان؛ فتفاعل الجمهور مع العمل برشقه بالبيض، أو تفاعله مع الفنان من طريق النقاش، هو الهدف الرئيس هنا.
قد يبدو عمل الفنان كارم إبراهيم منفراً لمن لا يستسيغون مثل هذه الممارسات الفنية، خاصة حين يُحكم على مثل هذه الأعمال وفقاً لمعايير القبح والجمال. لكننا لا نستطيع بالطبع أن نحكم على هذا العمل وفقاً لهذه المعايير، فهو عمل ينتمي إلى فن التجهيز، وهي ممارسة فنية معاصرة تحتفي بالفكرة والمعنى، بدلاً من الشكل، في تجاوز واضح ومتعمد لمفهومي الجمال والقبح.
من بين السمات اللافتة للممارسات المعاصرة كذلك، مخاطبتها للحواس الأخرى، كالسمع واللمس، أو ربما حاسة الشم أيضاً، كما في حالة تجهيز كارم إبراهيم. في مثل هذه الممارسات المعاصرة، تتراجع الرؤية البصرية للعمل كمحور رئيسي، ويصبح من اللازم النظر إليها وقياسها وفقاً لمعايير هذه الممارسات وفلسفتها. إن هذه الممارسات لا تقدم حلولاً، بقدر ما تطرح تساؤلات، أو ترسم أمامنا علامات استفهام حول قضايا أو إشكاليات بعينها.
العمل الذي يقدمه الفنان المصري كارم إبراهيم، يشير إلى فكرة الفساد على نحو مباشر، لكنه يتجاوز الكيفية التي تفسد بها الأشياء والمواد العضوية، كالبيض مثلاً، إلى فساد المجتمعات والأنظمة. يطرح الفنان هنا تساؤلات حول هذا الفساد، وإذا ما كان نابعاً من الداخل، أم أن هناك عوامل خارجية متسببة في هذا الفساد؟
تعمّد الفنان أن يترك البيض من دون حفظ لأيام تحت أشعة الشمس، حتى فسد تماماً؛ فلكي يُحفظ هذا البيض، كان لا بد له من رعاية أو معالجة خاصة للحفظ، ومن دونها سيفسد البيض بالضرورة. المجتمعات والأنظمة التي تعاني من أزمات تشبه البيض الفاسد إلى حد كبير، كما يقول الفنان؛ فآلية الفساد واحدة، وهي الإهمال وعدم الرعاية أو سوء الإدارة.

حين تتفاقم هذه الأزمات، لا بد لها أن تنفجر وتؤثر على محيطها، بل يمكن لها كذلك أن تتجاوز هذا المحيط، حينها ستزكم أنوفنا برائحتها الكريهة. إن هذا العرض يلفت انتباهنا على نحو حاد ولاذع إلى هذه البديهيات، وقد يكون التمثيل البصري هنا أكثر تأثيراً وقدرة على الوصول إلى أذهان الناس.
الفنان كارم إبراهيم من مواليد القاهرة عام 1969، ويقيم ويعمل في بريطانيا. وهذه المرة الثانية التي يشارك بأعماله في بينالي داكار الدولي. تراوح أعمال الفنان بين مجموعة متنوعة من الوسائط المختلفة، وهو يعمل منذ سنوات على تشكيل أعماله التجهيزية من المواد المعدنية. يهتم الفنان على نحو خاص بالبحث حول القضايا المتعلقة باختلاف الثقافات والهجرة والنزوح والهوية والسلطة والبيروقراطية، وغيرها من القضايا.
من بين أعماله البارزة في مصر، "ديناصور مصر القديمة"، وهو عمل تجهيزي على هيئة ديناصور معدني، يستقر حالياً في حي مصر القديمة في القاهرة، بطول يصل إلى خمسة أمتار. يجسد هذا العمل، كما يقول الفنان، نموذجاً للحقائق التي تأبى ثقافتنا الجمعية تصديقها، ومن بينها هذه الكائنات التي تسيدت الأرض قبل ظهور البشر.

المساهمون