"بيت أبو لمعة" يفتح بابه للكوميديا من جديد

"بيت أبو لمعة" يفتح بابه للكوميديا من جديد

04 مايو 2021
تحوّلت الكوميديا السورية إلى بوق ينطق باسم النظام ويلوم الشعب (Getty)
+ الخط -

مرّت الكوميديا السورية في نفق مظلم خلال السنوات العشر الماضية، إذ كانت إحدى الأسلحة الناعمة التي استخدمها النظام السوري في حربه ضد شعبه، الأمر الذي أدى إلى هبوط حاد في مستواها في وقت قياسي. عكس صنّاع الكوميديا السورية توجه النقد السياسي فيها، ليتلخص موقفها بانتقاد الشعب السوري الذي نادى بالحرية، عوضاً عن الانتقادات المبطنة للسلطة، كما كانت الحالة السائدة في الكوميديا ما قبل الثورة. 

هذا التوجه كان له أثر خاص على جمهور الكوميديا السورية، الذي اعتبر أنّ الكوميديا انتهت مع الجزء الثاني من مسلسل "ضيعة ضايعة" (2010)، أو بأحسن الأحوال مع "الخربة" (2011)؛ ما جعل هذه المسلسلات، وما سبقها، تكتسب مكانة خاصة، لتعاد وتكرّر بين الحين والآخر في كلّ بيت سوري. وبالطبع، كان النصيب الأكبر من المتابعة للمسلسلات الكوميدية ذات السياق المنفصل – المتصل، التي رسمت شخصيات أيقونية حفرت عميقاً بذاكرة الفن السوري، وتقدم في كلّ حلقة حكاية منفصلة تتسم بالطرافة والخفة.

هذه المشكلة تنبّه لها صنّاع الدراما السورية بعد فوات الأوان، فحاولوا منذ عام 2016 تقديم مسلسلات معقمة من الصبغة السياسية، لكنّ جميع المحاولات باءت بالفشل؛ فهذه الأعمال لم تعتمد سوى على شخصيات فاقعة ونكت مكررة وممجوجة يتداولها السوريون على السوشيال ميديا، ضمن قوالب وحكايات سطحية، مثل مسلسل "سنة أولى زواج" الذي قُدم الجزء الأول منه قبل ثلاثة أعوام، ويتم عرض الجزء الثاني منه في الموسم الرمضاني الحالي. 

لكن، يبدو أنّ الكوميديا السورية قد بدأت تصحو من كبوتها في الموسم الحالي. لا يتعلق الأمر بعودة نجوم الكوميديا السورية الغائبين منذ أعوام إلى الشاشة، ولا يرتبط أيضاً بأيّ تطور بالدور السياسي الذي تلعبه الكوميديا؛ بل إنّ بصيص الأمل الذي عاد لينعش الكوميديا السورية، جاء من بوابة نجوم يوتيوب السوريين، وبالتحديد من خلال مسلسل "عيلة أبو لمعة" الذي أنتجته قناة "نيو دوس"؛ وهو عمل كوميدي بسياق متصل – منفصل، بدأ بثه بحلقات أسبوعية مع بداية شهر رمضان، وتمكن خلال حلقاته الثلاث الأولى من خطف الأضواء من الأعمال السورية، التي تحتوي على نجوم أوسع انتشاراً وأكثر شهرةً.

يتمحور العمل حول عائلة تتألف من أم وأب وثلاثة أبناء


المسلسل يعتمد على خمس شخصيات رئيسية، ثلاث منها نجوم القناة الشباب، إلى جانب ممثلين لم يحصلا على المكانة التي يستحقانها طوال مسيرتهما في الدراما السورية، وهما نزار أبو حجر وغادة بشور.

يتمحور العمل حول عائلة مكونة من أب وأم وثلاثة أبناء، كلٌّ منهم يمثل شخصية نمطية تتفاعل مع الأحداث الغريبة والمتحورة التي تطرأ على العائلة في كلّ حلقة. وقد نجح العمل من خلال حلقاته الثلاث الأولى في أن يرسم ملامح واضحة لشخصياته، كما نجح برسم بيئة شعبية وتهيئتها لاستقبال المزيد من الحكايات والأحداث مهما كانت غريبة. ومن الممكن أن نختزل الأسباب التي أدت لنجاح مسلسل "بيت أبو لمعة" في الآتي:

البساطة والوضوح: لا يعتمد المسلسل في تكوينه على روابط معقدة، ولا يحاول أن يقدم من خلال شخصياته صوراً ورسائل رمزية، ولا يُقحم في تركيبته شخصيات من بيئات مختلفة، وإنما يعتمد على تكوين بسيط يمكن إدراكه والانسجام معه بسرعة، ويستخدم في حواراته لغة شعبية تحمل ملامح واضحة للبيئة ولكلّ نمط على حدة، لتتكون بذلك ملامح العائلة التي لا تبدو غريبة عنّا رغم غرابة حكاياتها. 

سينما ودراما
التحديثات الحية

عدم الالتزام بالحدود: في التسعينيات، ظهرت موجة في الكوميديا السورية، تعتمد على التصوير ضمن لوكيشن واحد. "بيت أبو لمعة" يبدو امتداداً لها، فكلّ أحداثه تجري داخل المنزل؛ لكنّ ما يميزه أنّه لا يلتزم بالحدود التي أرهقت المسلسلات التي تنتمي للنمط نفسه، لنجد الكاميرا تخرج إلى فضاءات أخرى ببعض المشاهد، فتم تصوير بعض مشاهد الحلقة الأولى "العائلة السعيدة" في حلبة ملاكمة، وصّورت بعض المشاهد من حلقة "يوتيوبر" في الشارع وأماكن أخرى. 

الخيال والمرونة: في حلقة "قوى خارقة" نشعر أنّنا نرى محاكاة ساخرة لمسلسل "ميسفيتس"، إذ تتسبب كارثة طبيعية باكتساب إحدى الشخصيات قوى خارقة؛ وهو ما يحدث مع الأب، الذي يمتلك يداً ذهبية بعد هبوط نيزك على بيت أبو لمعة؛ لتبشر هذه البداية بوجود خيال حرّ ومختلف عن كلّ ما هو سائد في الكوميديا السورية. والجميل بالأمر، أنّ فريق المسلسل يتعامل بمرونة كاملة مع كلّ المعطيات والإمكانات المتاحة، فتجسد بعض الخيالات على الشاشة بقالب طريف، عوضاً عن سردها، كما كان يحدث في المسلسلات القديمة.

دلالات

المساهمون