بثت القناة الفرنسية الخامسة، أخيراً، فيلماً وثائقياً بعنوان "بشار: سيد الفوضى" Bachar, le maître du chaos من إخراج الصحافي الفرنسي أنتوان فيتيكن، الذي سبق له وأن أنجز عددا من الوثائقيات لصالح التلفزيون الفرنسي. وفي هذا الشريط، نتعرف على تاريخ بشار الأسد قبل الثورة، ثم بعدها، ما هي الفوضى بالمعنى السياسي التي يعتبر الأسد سيدها، وهل فعلاً هو يدير ما يحصل في سورية؟ أم أن الأمر خارج سيطرته؟
تتكرّر في الوثائقي الصور التقليدية عن الأسد، إلى جانب تلك التي أنجزتها شركة العلاقات العامة الفرنسيّة قبل الثورة من أجل تحسين صورة الأخير، سواء عبر مرافقته إلى حفلات دار الأوبرا، في دمشق ضمن سيارته التي يقودها وحده، أو صوره في باريس، والتغطية الإعلامية التي نالتها زيارته لها مع زوجته، وفشل الصفقة التي كان يحاول الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي أن يعقدها معه.
صورة الأسد السياسيّ مهزوزة، فالفيلم يُظهر، مثلاً، بثينة شعبان، مستشارة الأسد الإعلامية، والتي تحاول أن تبرر مواقف وسياسة الأسد "السوري" الذي لا يشبه الأوروبيين، بالرغم من أنه درس في بريطانيا. وكأنها تنفي الصورة الاستشراقية التي يحاول الغرب إلصاقها به؛ فهو سوري، ويعمل لـ "صالح الشعب السوري"، مع ذلك لا حديث أبداً عن أسلوب عمله السياسيّ.
لكن هذه السياسة التي يتبعها الأسد، والتي وصفناها بالمهزوزة، سببها غياب الثقة به حسب الشخصيات السياسية التي تظهر في الفيلم، لا لكذبه، بل لكونه يتلاعب بكل الأطراف، ويحاول إرضاءها جميعاً في ذات الوقت، لكن هذا الرضا والتقارب ومحاولات الأسد "السياسيّة"، ليست إلا مخاطرة بسورية نفسها، خصوصاً بعد الثورة؛ إذ يقترب من الأميركيين، مهدّداً إياهم بإيران وروسيا، وبمحاربته للإرهاب، ويقترب من روسيا مهدّداً إياها بالنفوذ الإيراني والتدخل الأميركي؛ أي، بصورة ما، تظهر سورية كرهينة بيده، ويحافظ فيها بقبضته عليها عبر تهديد خصومه وأصدقائه على حد سواء.
لا يوجد تعريف واضح للفوضى التي "يترأسها" الأسد، حتى حين نسمع ممن كانوا مقربين من النظام، الذين نراهم في الوثائقي، كـ فراس طلاس، نجل وزير الدفاع السوري السابق مصطفى طلاس، إذ يخبرنا عن حكايات لا تحوي سياسة، مجرد غيرة وغيظ لا يمكن أن نصدق أن رئيساً يأخذه على محمل الجد.
لكن هذا المثير للاهتمام، في كل الكتب والأفلام التي تتناول الأسد، نقرأ عن هكذا حكايات، كأن يغضب الرئيس بسبب منشور على فيسبوك، أو يشعر بالإهانة حين يلقنه الروس درساً، وذلك عبر فضح هويته بوصفه اشترى لوحةً بقيمة 30 مليون دولار... وكأن الأسد، يرى العالم من نافذة وسائل التواصل الاجتماعي والعلاقات العامة، لا من دهاليز السياسة، حسب التعبير التقليدي. بل يمكن إغاظته، و"هز بدنه"، إن عرفنا كيف نهدد صورته، تلك التي بناها أثناء الثورة في سورية عبر المقابلات العديدة التي أجراها مع الصحافة الأجنبيّة.
المثير للاهتمام، أيضاً، أن هناك نوعين من الصورة التي يحاول الأسد صنعها لنفسه؛ الأولى خارجية، موجهة للغرب، لا "يراها" السوريون، يظهر فيها كرئيس إصلاحي معتدل، منفتح على العالم، يدافع عن بلاده ضد الإرهاب والتمرد، والأخرى، داخلية، تمس السوريين أنفسهم، يظهر فيها كبطل وطني، يهتم بالمواطنين وألمهم، ويخوض معهم الحرب ضد المؤامرة الكونيّة، تلك التي يتجنب ذكرها بوضوح في لقاءاته مع الصحافة الأجنبيّة.
يستقبل الوثائقي العديد من السياسيين من مختلف أنحاء العالم، وكلهم يبدون استغرابهم، بل ودهشتهم، من تحول هذا "الشاب" إلى واحد من أعتى الديكتاتوريين في القرن العشرين، والأهم، فوزه الأخير في مسرحية الانتخابات الأخيرة، يدفع الجميع لطرح التساؤلات: هل هو فعلاً واع بما يقوم به؟ وهل خطواته مدروسة؟ أي هل فعلاً يدير الفوضى؟ أم الأمر تكتيكات يحاول أن يبقي عبرها سورية دوماً على حافة الانهيار، في تطبيق للشعار الشهير "أنا أو الفوضى".