"برلين" لـ إيليو شاغوري: حين لم يعد هناك مكان للأمل

"برلين" لـ إيليو شاغوري: حين لم يعد هناك مكان للأمل

21 فبراير 2021
+ الخط -

في شتاء عام 2019، وأثناء رحلة تثقيفية خاصة، استقبلت برلين الفنان اللبناني إيليو شاغوري بشيء من البرودة والقسوة. فبعد أن كان الشاب قد افتتن بجمال مدينة براغ، بعمارتها الأوروبية الأنيقة، وتجاربها الزاخرة، فاجأته برلين آنذاك بمبان قاسية، وجوّ رمادي مناخاً ومجتمعاً. مكث إيليو في برلين أياماً معدودة، قبل أن يعود إلى بيروت في ذلك العام الذي بدأت فيه العاصمة اللبنانية تشهد على بداية الانهيار الاقتصادي الهائل، وطلائع ثورة شعبية سرعان ما تم إخمادها.

لكن برلين بقيت تشغل ذاكرة إيليو طوال عامين بعد رحلته الأوروبية الأولى، ليختتم عام الجائحة والانهيارات بألبوم موسيقي يحمل اسم العاصمة الألمانية. إيليو شاغوري فنان لبناني شاب (25 عاماً) يشقّ بداياته في عالم الفن ببابيه السمعي والبصري. درس التصميم الداخلي في جامعة الكفاءات في لبنان، وعمل في إحدى صالات المعارض في بيروت، ليؤسس لاسمه كفنان تشكيلي، مشاركاً في عدة معارض جماعية، إلى جانب محاولة أولى لمعرض فردي. في الآن ذاته، كان إيليو يعمل طاهياً في أحد مطاعم العاصمة اللبنانية، إلى أن صار من الصعب عليه التوفيق ما بين ساعات العمل وحبّه للفنون، فقرر الشاب أن يترك وظيفته ويتفرّغ تماماً لشغفه الفني.

لم يتابع إيليو دراسة الموسيقى أكاديمياً، لكن حبه للموسيقى بدأ منذ صغره، حين كان يهوى العزف على آلة الطبلة أو الدربكة. في مراحل لاحقة، تكوّن لدى الشاب اهتمام بالموسيقى الغربية المعاصرة، كالجاز والبلوز والروك، قبل أن تحوز على اهتمامه الموسيقى الإلكترونية، لا سيما المعروفة بالإقلالية minimal music، وهي نمط موسيقي يوظّف عدداً محدوداً من الآلات الموسيقية أو الأصوات، بحيث تتألف القطعة الموسيقية من سلسلة من النبضات الإيقاعية والوحدات الموسيقية الصغيرة المتكررة.

يتابع إيليو عدداً من الموسيقيين الأوروبيين المعروفين في هذا المجال، كالأيسلندي أولافر آرنالدس والألماني نيلز فغام، بالإضافة إلى ماكس ريختر، الإنكليزي-الألماني الشهير بتأليفه لموسيقى فيلم "فالس مع بشير" Waltz with Bashir، وأعمالهم جميعا تندرج ضمن ما يعرف بالموسيقى الكلاسيكية المعاصرة.

في باكورة أعماله "برلين"، يقدّم إيليو شاغوري سبع قطع موسيقية في محاولة أولى لخلق عمل موسيقي متكامل، وفق الإطار السابق شرحه. تطلّب العمل على "برلين" عدة أشهر ما بين خريف وشتاء العام الماضي، استخدم خلالها الشاب أصوات آلات موسيقية رقمية فقط، معتمداً على لوحة مفاتيح موسيقى رقمية (midi controller) صغيرة الحجم.

في تجربته الموسيقية يستذكر إيليو ملامح برلين كما عرفها في زيارته القصيرة، ويرسم مسار رحلة قام بها خلال يوم واحد، فينطلق من محطة القطار الرئيسية في جولة موسيقية تمتد قرابة نصف ساعة، يقول عنها إيليو إنها ولدت كأنما لتكمل نقصان الشعور بالألفة، الذي لازمه خلال وجوده في العاصمة الألمانية.

حملت بعض القطع في الألبوم عناوين ذات معان عامة مثل "ارتجال" Berlin Improv، و"مسار" Track، و"السكة الحديدية" Stadtbahn و"ليلة سعيدة" Gute Nacht. وفي المقابل، وضع إيليو شيئا من تاريخ برلين في المعادلة، فكانت قطعة بعنوان Alles Uber Anne أو "كل شيء حول آن" وهو عنوان معرض كان إحدى محطّات رحلة إيليو في المدينة، يسرد تفاصيل حياة الطفلة آن فرانك، ومذكّراتها الشهيرة التي نشرت بعد أن فارقت الحياة في أحد المعسكرات النازية.

أما القطعة الثانية، ذات العنوان التاريخي في الألبوم؛ فهي Elegy to Charlie، أو "مرثاة لتشارلي"، والمقصود هنا نقطة تفتيش تشارلي الفاصلة ما بين ألمانيا الشرقية والغربية خلال الحرب الباردة. وربما هي مفارقة أن يوثّق فنان لبناني شاب بالموسيقى انطباعاته عن مدينة أوروبية ومحطات من تاريخها، هو الذي يعيش في بلد ممزّق بتاريخه الأسود، ويشهد حاليا أوسع موجة هجرة لشبابه منذ عقود. أمام ذلك الواقع، يعمل إيليو شاغوري اليوم على إنتاج مواد بصرية وسمعية جديدة، وهو يسعى إلى تكريس مسيرة فنية له في مجال صناعة موسيقى الأفلام، فالموسيقى على حد تعبيره كانت "المهرب حين لم يعد هناك مكان للأمل".

المساهمون