"المؤثرون" أبواق بكين المفتوحة على العالم

"المؤثرون" أبواق بكين المفتوحة على العالم

16 ديسمبر 2021
تعتيم على حملة العمل القسري في مقاطعة شينجيانغ (فرانس برس)
+ الخط -

تتولى مجموعة من الوجوه الجديدة على مواقع التواصل تبييض صورة الصين، وتقديم صورة مبهجة عن حياة الأجانب فيها، والتصدي للانتقادات التي توجه إلى النظام الحاكم، وتحديداً المتعلقة بالسياسات تجاه الأقليات العرقية والتعامل مع جائحة فيروس كورونا.

في تقرير مفصل، سلطت صحيفة "نيويورك تايمز" الاثنين، الضوء على هذه الشخصيات التي تركز على نشر مقاطع فيديو ذات طابع غير رسمي على "تويتر" و"فيسبوك" و"يوتيوب"، وأشارت إلى أن جهازاً كبيراً من المنظمين الحكوميين ووسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة وجهات أخرى تقف خلفها، وأنها جزء من محاولات الحكومة الصينية لنشر الرسائل المؤيدة لبكين في أنحاء العالم كافة.

وأفادت الصحيفة الأميركية بأن المنافذ الإخبارية التي تديرها الدولة والحكومات المحلية تولت تمويل سفر المؤثرين (influencers) المؤيدين لبكين، استناداً إلى الوثائق الحكومية وإلى الأشخاص أنفسهم. فبدعم من وسائل الإعلام الرسمية هذه، يمكن لمشاهير مواقع التواصل زيارة أجزاء من الصين، حيث منعت السلطات تغطية الصحافيين الأجانب، والتصوير فيها.

معظم مبتكري المحتوى على "يوتيوب" الذين سلطت "نيويورك تايمز" الضوء عليهم يقيمون في الصين منذ سنوات، ويقولون إن هدفهم مواجهة الصورة السلبية التي يسوقها الغرب عن البلاد، ويزعمون أنهم هم أصحاب القرار في ما يخص محتوى الفيديوهات، وليس الحزب الشيوعي الصيني. لكن، حتى لو لم يعتبر هؤلاء أنفسهم أدوات "بروباغندا"، إلا أن بكين تعتبرهم كذلك، إذ عرض دبلوماسيون وممثلون عن الصين مقاطع الفيديو الخاصة بهم في المؤتمرات الصحافية، وروجوا لإبداعاتهم على وسائل التواصل. معاً، حصل ستة من أشهر هؤلاء المؤثرين على أكثر من 130 مليون مشاهدة على "يوتيوب" وأكثر من 1.1 مليون مشترك.

الأصوات الأجنبية المتعاطفة هي جزء من جهود بكين الطموحة لتشكيل الحوار العالمي حول الصين. حشد الحزب الشيوعي الدبلوماسيين ووسائل الإعلام الحكومية لتنفيذ أجندته وإغراق النقد الموجه ضده، غالباً بمساعدة جيوش من الحسابات الغامضة على مواقع التواصل. ومن بين هؤلاء الأجانب المنهمكين في تبييض صورة السلطات الصينية، الشاب الإسرائيلي راز غال-أور الذي يجذب ملايين المشتركين، ويعرض مقابلات مع أشخاص عاديين وزملائه المغتربين حول حياتهم في الصين.

في مقطع فيديو نُشر ربيع 2021، زار غال-أور حقول القطن في شينجيانغ ليتصدى لمزاعم فرض العمل القسري في المنطقة. يقول في الفيديو، بعد تناول الكباب مع بعض العمال إن "الأمور طبيعية تماماً هنا. الناس لطفاء، يؤدون وظيفتهم، ويعيشون حياتهم". لا تذكر مقاطع الفيديو الخاصة به الوثائق الحكومية الداخلية، والشهادات المباشرة، وزيارات الصحافيين التي تكشف أن السلطات الصينية احتجزت مئات الآلاف من مسلمي شينجيانغ في معسكرات. كما أنه لا يذكر العلاقات التجارية بينه هو وعائلته وبين الدولة الصينية.

غال-أور نشر مقطع الفيديو حول مزارع القطن في شينجيانغ على "يوتيوب" في 8 إبريل/نيسان، بعد وقت قصير من تعرض "نايكي" و"إتش أند إم" وعلامات تجارية أخرى لانتقادات حادة، إثر اتهامها بالحصول على إمدادات من مصانع تستغل مسلمين من الإيغور في العمل القسري.

في غضون أيام، أعيد نشر مقطع الفيديو الخاص به بترجمة إيطالية، على صفحة "فيسبوك" الخاصة بسفارة الصين في إيطاليا التي تضم نحو 180 ألف متابع. في الأسابيع التي تلت، انتشر مقطع الفيديو، إلى جانب فيديوهات أخرى لغال-أور في شينجيانغ، على "فيسبوك" و"تويتر" من قبل 35 حساباً على الأقل تديرها السفارات الصينية والمنافذ الإخبارية الرسمية. تضم الحسابات كلها نحو 400 مليون متابع.

حين تواصلت "نيويورك تايمز" مع غال-أور، وصف المزاعم بخصوص العلاقات التجارية مع السلطات الصينية بغير الدقيقة، وقال إن أي جهات رسمية صينية لم تدفع له أو توجه محتواه المصور في شينجيانغ. وأضاف: "أولئك الذين يرون أنها (مقاطع الفيديو) سياسية، أنا متأكد من أن لديهم أجندتهم الخاصة".

يعترف آخرون بتلقيهم الدعم المالي من كيانات الدولة، لكنهم يرون أن هذا لا يجعلهم أبواقاً لبكين. وفقاً لوثيقة ظهرت في تقرير جديد صادر عن "المعهد الأسترالي للسياسات الاستراتيجية"، دفعت هيئة تنظيم الإنترنت في الصين نحو 30 ألف دولار أميركي لشركة إعلامية، كجزء من حملة تسمى "موعد مع الصين"، استخدمت "مشاهير الإنترنت الأجانب" في الترويج للحكومة ونجاحها في التخفيف من حدة الفقر.

إعلام وحريات
التحديثات الحية

من غير الواضح مقدار الدخل الذي قد يدره هذا العمل على مشاهير مواقع التواصل. ولكن، بصرف النظر عن المال، قدمت الكيانات الحكومية الصينية أيضاً ما يمكن أن يكون له القيمة نفسها على وسائل التواصل: حركة المرور الرقمية.

إذ يستخدم "يوتيوب" عائدات الإعلانات للدفع للمؤثرين، بناءً على عدد الأشخاص الذين يشاهدون محتواهم. يمكن أن تساعد هذه الحركة الكثيفة المؤثرين أيضاً في الحصول على صفقات رعاية مع العلامات التجارية الكبرى، كما فعل العديد من مستخدمي "يوتيوب" المؤيدين للصين.

تفضل خوارزميات "يوتيوب" و"غوغل" مقاطع الفيديو التي تحظى بمشاركة واسعة على شبكات التواصل. وقد حلّل الباحثان من "جامعة ييل"، جوشوا لام وليبي لانغ، ما يقرب من 290 ألف تغريدة ذكرت شينجيانغ في النصف الأول من عام 2021، ووجدا أن ستة من مقاطع الفيديو العشرة الأكثر شيوعاً على "يوتيوب"، الواردة في التغريدات، كانت من المؤثرين المؤيدين للصين.

المساهمون