"الزمن الجميل"… هكذا يخدع الحنين دماغك

"الزمن الجميل"… هكذا يخدع الحنين دماغك

24 يونيو 2021
يهرب الإنسان إلى الذاكرة (Getty)
+ الخط -

العقل ليس راوياً موثوقاً لأشياء حدثت قبل عام واحد فقط، فهل من المعقول توقع أنه سيتذكر بدقة ذكريات الأحداث التي حدثت قبل عقود؟ هذا ما يحاول شرحه مقال تحليلي في مجلة "سايكولوجي توداي" النفسية بقلم أخصائية علم الأعصاب، الهندية أديتي سوبرامانيام.

يميز العلم بين الطريقة التي نعيش بها حياتنا على أساس يومي (نفسية التجربة)، والقصص التي نخبر بها أنفسنا عن حياتنا (نفسية الذكرى). 

وأفضل مثال هو الولادة بالنسبة للأم. إنها عملية مؤلمة للغاية، لكن عند تذكرها بعد سنوات قليلة، فإنّ الذكرى السائدة للحدث لا تتعلق بالألم، بل بحقيقة أنّ الطفل قد وُلد في النهاية. هذا يجعل العملية تبدو وكأنها تستحق العناء، وربما تستحق القيام بها مرة أخرى، وفق ما يقول المقال.

هذا أيضاً مثال جيد على ما يسمى بـ"التحيز المبني على تلاشي التأثير"؛ أي أنّ الذكريات العاطفية المرتبطة بالأحداث السلبية تتلاشى بسهولة أكبر من تلك المرتبطة بحدث أو نتيجة إيجابية.

ونهايات القصص مهمة للغاية، تضيف سوبرامانيام، فإنّ أي شخص خضع لعملية غير مؤلمة كثيراً لكن انتهت بشكل مؤلم سيكون لديه ذاكرة أسوأ بكثير عن الحدث، مقابل شخص آخر خضع لعملية أطول وأكثر إيلاماً بشكل عام.

آداب وفنون
التحديثات الحية

الحنين إلى الماضي... بعض الفوائد

ليس من المستغرب أنّ الأشخاص الذين يشعرون بالوحدة أو غير الراضين عن حياتهم الحالية هم أكثر عرضة لمشاهدة الماضي بنظارات "وردية اللون". ويبدو أن الحنين إلى الماضي يصيب أيضاً الأشخاص الذين يمرون بمرحلة انتقالية في الحياة.

النظر إلى الوراء عندما كانت الأوقات أفضل وأكثر استقراراً قد يمنحنا القوة للتعامل مع مستقبل غير مؤكد، تقول سوبرامانيام.

والأشخاص الذين يميلون إلى الحنين إلى الماضي ليسوا فقط أكثر قدرة على التعامل مع الشدائد، ولكنهم أيضاً أكثر عرضة لطلب الدعم العاطفي خلال الأوقات العصيبة.

يمكن أن يؤدي الانخراط في ذكريات الحنين إلى انخفاض الشعور بالوحدة والاكتئاب، وقد ثبت أيضاً أنه يقلل من مستويات السيتوكينات المؤيدة للالتهابات التي تشارك في مسارات الألم.

"الزمن الجميل"... أخطار الحنين التاريخي

لكن للحنين جانب مظلم. وصفت المنظرة الأدبية الروسية، سفيتلانا بويم، نوعين من الحنين إلى الماضي؛ تأملي وتصالحي. ينظر الحنين التأملي إلى الماضي بإدراك أنه على الرغم من أنّ الأمور قد تغيرت، إلا أن بعض الأشياء قد تغيرت للأفضل، بينما يهدف الحنين التصالحي إلى تقديس عصر ذهبي مثالي.

يتم استغلال الحنين التصالحي من قبل السياسيين في جميع أنحاء العالم الذين يصرون على فكرة الماضي المجيد. 

ربما استخدم زعيم ألمانية النازية أدولف هتلر هذا التكتيك بعد عواقب وخيمة في الثلاثينيات، لكن هذا الاتجاه استمر حتى يومنا هذا، سواء عبر حملة "جعل أميركا عظيمة مرة أخرى" التي قادها دونالد ترامب، أو رفع لواء الحنين الإمبراطوري في حملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست"، مروراً بالأنظمة القومية في بلدان مثل البرازيل والهند. يهدف الحنين التاريخي إلى إعادة حقبة ذهبية.

وبحسب الأخصائية الهندية، يبدو أنّ الحنين إلى الماضي أكثر انتشاراً بين المجتمعات التي عاشت كارثة اجتماعية.

كما يستهوي الحنين التاريخي أيضاً مجموعات الأشخاص الذين يشغلون منصباً متميزاً في المجتمع اليوم نتيجة كونهم مستفيدين من نظام غير متكافئ في الماضي. 

وفي مقابلة مع موقع "ماشابل"، قال أستاذ علم الاجتماع في جامعة كاليفورنيا، هيرمان غراي، إنّ "الحنين يخفف من حدة التاريخ ويزيد من حدة تلك اللحظات التي نجدها مرغوبة".

وبالنظر إلى أنّ أدمغتنا هي راوية غير موثوقة للماضي، وأنّ البشر لديهم ميل لرسم صورة وردية للأوقات الماضية، فنحن نحتاج لفحص ماضينا الجماعي بعدسة نقدية، بحسب غراي.

ويحذر غراي من أنّ الحنين إلى الماضي قد يكون بمثابة دعامة مفيدة لتجاوز الصدمات الشخصية، إلا أن الاعتماد المفرط عليه "يمكن أن يجعلنا عرضة للتعامل مع التواريخ الإشكالية بأكملها على أنها مثالية".

المساهمون