"إلى أين تذهبين يا عايدة؟" لزبانيتش: تحايلٌ سينمائي على واقع أليم

"إلى أين تذهبين يا عايدة؟" لزبانيتش: تحايلٌ سينمائي على واقع أليم

02 نوفمبر 2020
فيلم عن مذبحة سربرنيتسا بلا دماء ولكن بشعور دائم بالتوتر والخطر (تويتر)
+ الخط -

في ظلّ دورة متوسّطة لـ"مهرجان الجونة السينمائي الرابع" (23 ـ 31 أكتوبر/تشرين الأول 2020)، على مستوى الأفلام، برز "إلى أين تذهبين يا عايدة؟ (Quo Vadis Aida)"، للبوسنية ياسمينا زبانيتش، كأبرز فيلمٍ تحدّث عنه الجمهور، قبل أن يُتوّج، عن حقّ، بجائزة "الجونة الذهبية" لأفضل فيلم روائي طويل.

جديد زبانيتش (2020) تناول، كالعادة، موضوعاً مرتبطاً بدراما النساء والحرب. تُروى القصّة في يوليو/تموز 1995، في فترة الحرب بين البوسنيين والصرب، مع دخول قوات الجيش الصربي إلى مدينة "سربرنيتسا"، وارتكابها مذبحة جماعية، ضحيتها نحو 8 آلاف بوسنيّ. في ظلّ هذه الصورة المأسوية، تُركّز زبانيتش حكايتها على عايدة، مُدرّسة اللغة الإنكليزية، المُقيمة في "سربرنيتسا"، والعاملة أيضاً مترجمة لقوات حفظ السلام الهولندية، التابعة للأمم المتحدة. بعد هجوم الصرب، ولجوء آلاف المواطنين إلى مبنى الأمم المتحدة، المغلقة أبوابه أمامهم بسبب اكتظاظه، تحاول عايدة المحافظة على حياة زوجها وولديها بين آلاف المواطنين، وحمايتهم من خطرٍ وشيك.

أبرز ما في الفيلم القدرة الاستثنائية لمخرجته على دمج "الصورة الواسعة البشعة" لمذبحةٍ ضد آلاف الأشخاص، و"الصورة الضيّقة المحدّدة" لعائلة تحاول النجاة، من دون فقدان الاتصال بالجانبين في أيّ لحظة منه.

آداب وفنون
التحديثات الحية

أكثر من مرة، يقول شخص من الأمم المتحدة لعايدة إنّ آلاف الناس معرّضون للخطر، "فلماذا نساعدك أنتِ وعائلتك تحديداً؟". في كلّ مرة، تسكت عايدة، لكنّ عينيها تنطقان بأنْ "هذه عائلتي".

هذا ما تفعله زبانيتش تماماً، إذْ لا يوجد سبب محدّد أو استثنائي في تلك العائلة، سوى أنهم هم من نعرفهم، ونتورّط معهم عاطفياً، ونتمنّى نجاتهم. لكنْ، مع شعور مُكثّف بالوضع المأسوي العام، الذي يوشك على الانفجار.

"إلى أين تذهبين يا عايدة؟" فيلم سينمائي جداً، على مستوى اختياراته. إنّه عن مذبحة بتلك البشاعة، لا تظهر فيه دماء، ولا أعمال عُنف بدني. بدلاً من ذلك، تخلق ياسمينا زبانيتش شعوراً دائماً بالتوتّر والخطر، بما يشبه السينما الرومانية، وتحديداً أفلام المخرج كريستيان مونجيو، إذْ يُترك المشاهدون دائماً على حافة شيء كارثيّ سيحدث في أيّ لحظة.

هذا أمر ذكي جداً، يزيد من تورّط المشاهدين شعورياً مع هؤلاء الناس، الذين وجدوا أنفسهم فجأة خارج منازلهم، يواجهون المَجهول. حتّى مشهد المذبحة نفسه مُصوّر بحساسية مُفرطة: لقطات على وجوه أناس مجمّعين في غرفة مُغلقة، ثم "قطع": لقطة لشبابيك تدخل منها أسلحة (لا تظهر وجوه حامليها)، ثم "قطع" مرة أخرى: خارج المكان، مع صوت رصاص لا ينتهي، حيث الشعور بأثر أكبر بكثير من أي اختيار آخر يكشف المذبحة، إذْ شعر المشاهدون بها، وهذا أهمّ.

من ناحية أخرى، ليس مفاجئاً فوز جاسانا غورزيتش بجائزة أفضل ممثلة. أداؤها يُذكّر بجودي دانش وميريل ستريب، حيث القدرة الاستثنائية على استخدام العين لنقل طبقات مختلفة من المشاعر، واستخدام الصوت والجسد لنقل التوتّر المكتوم، من دون أيّ انفعال خارجي مُبالَغ به.

النتيجة؟ فيلمٌ بديع، لن يكون مفاجئاً ترشيحه لاحقاً لـ"أوسكار" أفضل فيلم ناطق بغير الإنكليزية، ممثّلاً البوسنة، في نسخة عام 2021.

المساهمون