"أوميغا" لـ "إيبيكا"... ملحمة شعرية تنتهي في نقطة البداية

"أوميغا" لـ "إيبيكا"... ملحمة شعرية تنتهي في نقطة البداية

14 مارس 2021
كنت البذرة الأولى على الأرض. أنا أيضاً نهاية الكون (Getty)
+ الخط -

نهاية الشهر الماضي، أصدرت فرقة السيمفوني ميتال الهولندية، Epica، ألبوماً جديداً يحمل اسم Omega؛ وهو الألبوم الرسمي الثامن في مسيرتها التي بدأت قبل 18 سنة.

Omega هو الحرف الأخير من الأبجدية اليونانية القديمة، وهو اسم قد يحمل دلالة بالنسبة للفرقة التي اختارت "الملحمة الشعرية" اسماً لها؛ فهذا الحرف يبدو إشارة واضحة لنهاية شيء ما. بذلك، تتمكن Epica من خلق حالة من الترقب قبل البدء، وتوجه أنظارنا نحو النهاية، قبل أن تبدأ بعزف ملحمتها، وترفع العيار مع مقطوعتها الموسيقية الافتتاحية Alpha  Anteludium، التي تعود فيها مجدداً إلى الموسيقى الشرقية التي تميل إليها، وكانت قد لازمتها في ألبوماتها السابقة كمكون ثانوي، فتدمجها بموسيقى أكثر سكينة ووقاراً، قبل أن تبوح بأول أبيات الملحمة، لتقول باللغة اللاتينية: "كنت البذرة الأولى على الأرض. أنا أيضًا نهاية الكون: ألفا أوميغا"، لتعطي للنهاية مفهوماً أكثر شمولية ضمن مفهوم الزمن الدائري.

تنتقل Epica، سريعاً، نحو أغنية Abyss Of Time - Countdown To Singularity، التي تتضح معها معالم ملحمة الألبوم. الأبيات هنا يتم صوغها كأساطير الخلق الأولى في الحضارات الشرقية القديمة. يرد في الأغنية: "في البداية، كان هناك عدم خالٍ من الفراغ. في ذلك العدم، جاءت فكرة هادفة، سائدة. هكذا انتهى الفراغ". إنها أبيات تبدو شبيهة شكلاً بأساطير الخلق البابلية والسومرية، لكنها تناقضها بالجوهر؛ فلا تفترض أي من أساطير الخلق أن شيئاً خلق من العدم؛ لتبدو  Epica بملحمتها الجديدة ترسم قصة خلق جديدة للكون، تفترض أن كل شيء بدأ من العدم. وتطرح فكرة "امتلاء العدم" كفكرة فلسفية لتؤسس بها نظرية مناقضة للقالب اللغوي الذي تعتمده.

ترافق هذه الأسطورة مجموعة من الجمل التي صيغت من أفعال الأمر، والتي تشكل معاً إرشادات، تبدو شبيهة بالتعاليم في كتب الديانات السماوية، منها: "كن دون مخاوفك لألف سنة. ابحث عن السكون في أعماقك. اِسع لتحقيق الانسجام في الازدواجية". لتعلي تعاليم Epica من شأن الفرد فوق أي فكر ودين وفلسفة؛ وهو ما يميزها عن جميع ما ورد قبلها.

هذه الملحمة تغزلها Epica فوق أنسجتها الموسيقية المعهودة، والتي يتبلور هيكلها من خلال التناقض الحاد ما بين صوت السوبرانو النسائي، والجعير الذكوري الذي يميز أغاني الميتال. وترافق هذه الثنائية جوقة كبيرة من الأصوات الطفولية البعيدة التي تتسلل خلف الأوركسترا الموسيقية لتصنع فيها بعداً إضافياً. هذا الخليط يبدو مع المفهوم الجديد لألبوم Epica أشد تعقيداً، حيث تتم الاستفادة من الطبقات الصوتية المختلفة لرسم أبعاد حادة وواضحة تنجح برسم معالم الكون، ويزيدها جمالية التعقيد اللغوي والانغماس الدائم بالأصوات واللغات المتعددة، إذ يبدو كل منها يسبح بفلك وحده. الألبوم يبدأ باللغة اللاتينية، ويعتمد بشكل رئيسي على اللغة الإنكليزية، وتمر خلاله اللغات العربية والإيطالية والفرنسية والهولندية.

هذه الخاصية تصل إلى حد الإشباع في أغنية Code Of Life، التي يصدح في بدايتها صوت عربي يردد عبارتين، مكونتين من كلمات مبعثرة، الأولى: "شيفرة حياة علم تغيير"، والثانية: "شيفرة حياة علم موت". هذا الصوت يبدو وكأنه يحلق في فضاء بعيد عن الأصوات الأساسية التي تؤدي باللغة الإنكليزية متن الأغنية، وبينهما تمر كلمة إيطالية وحيدة، تبدو كجسر العبور بينهما.

تقول: "فيتا"، أي الحياة، لترسم الخط الفاصل ما بين الفضاءات المتعددة؛ وتترك الأصوات الأساسية تطرح الحكاية، لتعيد صياغة أقدم التساؤلات الدرامية في التاريخ، حول حقيقة حياة الإنسان، والتساؤل إذا ما كان مسيراً أو مخيراً، لينتج عن ذلك مجموعة من أجمل أبيات الملحمة التي يسردها الألبوم: "نحاول أن نكون إلهيين، فنستحم بكل نور أبدي نصادفه. لا يمكن أن نغير تصميم حياة كائن موجود بالفعل. لماذا نغير ما هو موجود خلقاً؟ أليس من المفترض أن يكون للأبد! نبحث عميقاً في الزجاج المكور عن الحكمة، لنرى موجة جديدة في بحر الحياة. هل يمكن تحدي قانون الطبيعة؟".

يمضي الألبوم قدماً بالخط ذاته، ليرسم معالم جديدة لقصة الخلق قبل أن يصل للفصل الأخير Omega - Sovereign Of The Sun Spheres الذي يبدو طقساً يجب ممارسته لرسم نقطة البداية- النهاية، ليبدأ الطقس بالخروج من متاهة المعرفة، إذ يرد: "قم معي، تجاوز متاهة التغيير"، ليتلوها طقوس الرقص والتزهد والصعود إلى السماء.

المساهمون