"أنقذوا رالف"... الأرنب يسخر بعين واحدة

سايف رالف/يوتيوب
15 مايو 2021
+ الخط -

خلال أقل من شهر، حظي الأرنب رالف بتعاطف الملايين الذين شاهدوه يحكي معاناته في "مهنته"، التي ورثها عن آبائه ويؤديها هو الآخر مُجبرًا، مع باقي أفراد عائلته، داخل مختبر لفحص سلامة مستحضرات التجميل والعناية بالبشرة.

رالف هو دمية أرنب طوله 23 سنتيمترًا، كما أنه بطل الفيلم القصير "أنقذوا رالف" (Save Ralph). شخصية صممها صانع الدمى آندي جينت، الذي صمم وصنع قبل ذلك الدمى في فيلم "جزيرة الكلاب" (Isle of Dogs)، لـ ويس أندرسون.

"أنقذوا رالف" مصنوع بتقنية التصوير المتقطع (Stop Motion)، التي تستهلك الكثير من الوقت والجهد، ويتم فيها تحريك الدمى وتغيير المشاهد بشكل تدريجي، وتصوير كل تغيير في صورة واحدة منقطعة، ثم تنتج الحركة عند عرضها متتالية وبسرعة.

يقول مخرج الفيلم القصير سبنسر سوسر، في مقطع فيديو عن كواليس الفيلم: "لا أعتقد أن صناعة (الفيلم) بواسطة حاسوب كانت ستعطي النتيجة نفسها... هناك أمر خاص ومميز في الأشياء الملموسة والحقيقية وهي تتحرك، لا يمكن تزييفه".

الفيلم عبارة عن مقابلة مع الأرنب رالف، تبدأ في بيته وتنتهي في المختبر، أو "مكان عمله". يؤدي صوت رالف الممثل الكوميدي وصانع الأفلام النيوزيلاندي الحائز على جائزة أوسكار تايكا وايتيتي، أمّا بطل الكوميديا السوداء الممثل الإنكليزي ريكي جيرفيه، فيؤدي صوت صانع وثائقي يتتبع رالف ويصور معه المقابلة.

يشارك في تأدية أصوات أرانب أخرى في المختبر ممثلون من جنسيات مختلفة، منهم: زاك إيفرون وأوليفيا مون وبوم كليمينتيف وتريشيا هيلفر. أُنتج الفيلم بالتعاون بين كل هؤلاء، ومنظمة دولية غير ربحية تهدف إلى حماية الحيوانات، هي منظمة Humane Society International. في أربع دقائق، يحكي رالف كيف خسر بصره وتأثر سمعه، بينما يتألم من حروق أصابت فروه وجلده، سببتها التجارب التي أجريت عليه بغرض فحص سلامة مستحضرات العناية بالبشرة، قبل أن يستعملها الإنسان.

في الوقت نفسه، وبرغم كل ما يعانيه، لا يتذمر الأرنب، ولا يلقي اللوم على البشر، بل يُعبّر بسخرية حزينة عن احترامه لهم. يقول رالف: "لا بأس، نحن نفعل ذلك من أجل البشر، أليس كذلك؟ فهُم كائنات متفوقة علينا نحن الحيوانات...".

لا يرفع رالف أياً من الشعارات التي نسمعها، عادةً، في حملات المطالبة بحماية الحيوانات من مختبرات مستحضرات التجميل. ربما، لهذا السبب أيضًا ينجح الفيلم في التأثير بالناس، خصوصًا أن الأرقام والحقائق العلمية الصريحة والمباشرة عن الموضوع نفسه، لا تؤثر في البشر كما تؤثر قصة حزينة عن أرنب مسكين خاضع ومعترف بتفضيل البشر على سائر المخلوقات. تُلمح العديد من ردود الفعل العربية والأجنبية السطحية والسريعة إلى لوم النساء على ما يعانيه رالف.

البعض يرى أن رالف وباقي الحيوانات تعاني ما تعانيه من أجل "تجميل عيون النساء"، أو "إمتاعهن" بمستحضرات التجميل التي "تُضاف إلى حقائبهن". بالطبع، العديد من النساء شريكات في الجهل، لكن إلقاء اللوم عليهن لصناعة عناوين رنانة سهلة تتجاهل الشيطان الأكبر في "الجريمة"، وهي الشركات الرأسمالية التي استفادت وتستفيد من ثقافة بنتها وعززتها سرديات تقول بتفوق الإنسان على باقي الكائنات. وبناءً على هذا التفوق، يعتبر الإنسان أن من حقه استغلال خيرات الطبيعة ومواردها وجماداتها وحيواناتها من أجل ازدهاره ومنفعته.

هذا الحق منصوص عليه بشكل صريح في قوانين الدول. في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، تُعد الحيوانات في القانون ممتلكات لدى البشر. التجارب على الحيوانات لا تتم فقط لفحص مستحضرات التجميل، بل تستعمل العديد من المختبرات الحيوانات لدراسة وتحضير العديد من الأدوية ومستحضرات العناية بجلود وعطور النساء والرجال على حد سواء. لكن مستحضرات التجميل التي تستهدف في دعايتها وصناعتها النساء، هي تجارة ضخمة تستخدم عددًا كبيرًا من المواد الخطرة، ويتم فيها استغلال الحاجة التي خلقها المجتمع عند النساء من أجل "التجمُّل" والتبرج.

وبالرغم من كل التجارب على الحيوانات، والمعرفة التي نتجت من هذه التجارب، لا تزال العديد من شركات مستحضرات التجميل تستعمل مواد خطرة وسامة في المنتجات التي تبيعها للنساء. في عام 2009، كشفت منظمة الغذاء والدواء الأميركية أن 400 نوع من أقلام الحمرة التي تباع في الأسواق ملوثة بمواد وعناصر كيميائية خطرة ومسرطنة، مثل الرصاص، الذي عُثر عليه في أقلام حمرة رخيصة نسبيًا، مثل التي تصنعها شركة لوريال الشهيرة. ووجدت الدراسة أن أقلام حمرة باهظة الثمن تنتجها شركة Dior، كانت أيضًا ملوثة بالرصاص. دراسات عديدة وجدت مواد خطرة أخرى في مستحضرات المكياج المختلفة، من هذه المواد: الفورمالديهايد والأسبستوس والبارابين وثاني أكسيد التيتانيوم، وغيرها.

من الصعب على المستهلك الكشف عن المواد الضارة في المستحضرات المعروضة في الأسواق. في كثير من الأحيان، لا تكفي قراءة قائمة المحتويات، لأن العديد من الشركات تخفي مجموعة من المواد الكيميائية تحت مسميات جديدة أو عامة، مثل كلمة "عطر"، الذي لا يعرف المستهلك ماذا يدخل في تركيبته. أو مادة "التالك"، التي قد تدخل في تركيبها مادة الأسبستوس، أو ما يسمى بالصخر الحريري. في عام 2018، كشف تحقيق لرويترز أن مادة "التالك" الموجودة في منتج بودرة الأطفال الأيقوني الذي تنتجه شركة "جونسون آند جونسون"، تحتوي على الأسبستوس السام. وقالت رويترز في حينها إن الشركة رفضت الاعتراف بهذه الحقيقة وأخفتها عن العامة.

على موقعها الإلكتروني، تقول "جونسون آند جونسون" إنها لا تجري أي تجارب على الحيوانات إلا في حالات نادرة، تفرض فيها الحكومة والقوانين مثل هذه التجارب. بطبيعة الحال، تريد "جونسون آند جونسون" وغيرها من الشركات، التأكيد على رفقها بالحيوانات للاستفادة من حملات التوعية والموجات الدعائية الجديدة عن الاستدامة وحماية البيئة. ويساعد الواعظون ممن يلقون اللوم على النساء في ترويج الدعاية للشركات التي لا تستخدم التجارب على الحيوانات، من خلال الدعوة وإرشاد النساء الواعيات الصالحات إلى شراء منتجات "خالية من القسوة (على الحيوانات)" أو (Cruelty Free)، فلا يُجمّلن أنفسهن على حساب آلام تلك الكائنات.

لكن الحقيقة أن الجميع شريك في الجريمة، فحتى الشركات التي لا تجري التجارب على الحيوانات، تستفيد من المعرفة التي نتجت في السابق عن مثل هذه التجارب، أو تستفيد من دراسات أجرتها شركات أخرى على الحيوانات، وإن بدرجات متفاوتة.

المساهمون