"أصدقاء لا يرحمون"... كوميديا لا تُضحك أحداً

"أصدقاء لا يرحمون"... كوميديا لا تُضحك أحداً

14 يونيو 2022
بيل بير في مهرجان "نتفليكس مزحة" (جيرود هاريس/Getty)
+ الخط -

ما زالت أصداء مهرجان "نتفليكس مزحة" (Netflix is a joke) مستمرة؛ إذ بثت المنصة، أخيراً، عرض "بيل بير يقدّم: أصدقاء لا يرحمون" (Bill Burr Presents: Friends Who Kill)، الذي أقيم في لوس أنجليس الشهر الماضي. لا نعلم إن كانت هذه الترجمة دقيقة، لكن كما يتضح من العنوان، الكوميديان بيل بير أشبه بقائد فرقة مسرحيّة، يردّد بعض النكات، ثم يستدعي عدداً من الكوميديين إلى الخشبة، ليلقوا النكات أمامنا ثم يغادروا. نَصِف العرض بهذا الشكل الجاف، كونه لم ينل أي مديح، بل إن الجمهور في الكثير من الأحيان لم يضحك ولم يتفاعل مع المؤدين.
لا يمكن القول إن العرض كان رائعاً، بل نتجرأ ونقول إنه ممل، ونهايته تكشف الغرابة وعدم الارتياح التي انتابتنا طوال العرض؛ إذ اعتلى الخشبة الكوميديان جوش آدم مايرز، الذي قال إنه لم يكن يمتلك أي شيء ليقوله؛ فقرر الغناء مع فرقته الموسيقيّة، ليبدأ بعدها بترديد كلمات بذيئة، داعياً الجمهور إلى الغناء معه، لكن أحدا لم يستجب، حتى حين طلب منهم وأصر، كان الصمت العام هو الجواب، ليتركنا نحن الموجودين في المنزل مشدوهين: هل ما نراه حقيقة؟ هل حقاً بثت "نتفليكس" شيئاً كهذا؟


نبدأ من نهاية العرض، كونه الجزء الأسوأ، ويقل السوء إلى حين نصل إلى بيل بير، الذي افتتح العرض، من دون أن يقدم ما هو جديد؛ إذ ألقى نكات مكررة عن كوفيد-19، وعن استخدام الأسلحة في أميركا، متبنياً أسلوبه الغاضب المعتاد. وهذا ما يثير المفاجأة. الواضح أن بير لم يعد يتمتع بالشعبية التي كان عليها، خصوصاً مع عودة لوي سي. كيه. إلى الساحة؛ إذ يقال إن بير كان مرشحاً ليكون الناطق باسم الرجل الأبيض الغاضب عوضاً عن سي. كيه، لكن ما شاهدناه لا يرقى إلى ما هو مطلوب.
ذات الأمر مع الثنائي جيف روس، ملك القفشات، وديف أتيل، اللذين اكتفيا بالتهكم على الجمهور، وتبادل النكات السريعة التي تسخر من عمل أتيل. وحين اعتلت ميشيل وولف الخشبة، لم يتغير شيء، ذات نكاتها القديمة وانتقاداتها للنسوية التقاطعيّة، ليبدو الأمر أقرب إلى النحيب والتأفف منه إلى النكات المحكمة.
وحين اعتلى جيمي كار الخشبة، كسر إيقاع الملل قليلاً، فنكاته ذات الجملة الواحدة أقرب إلى المغالطات المنطقية والإهانات السريعة منها إلى الكوميديا، وهذا كان هدفه؛ إذ يقول إنه كل ما نطقه اليوم، سيكون ممنوعاً في المستقبل، في إشارة إلى التهديد الذي تشكله الصوابيّة السياسيّة للكوميديا.
نال مهرجان "نتفليكس مزحة" كثيراً من الاحتفاء. لكن عند الحديث عن الكوميديا، التكريم والاحتفال لا يهمان، ما يهم هو النكتة، وأن نضحك، الباقي ليس إلا بهرجات، وهذا بالضبط ما لم تنجح به "نتفليكس"؛ أي محاولات الاعتراف الجدي بهذا الشكل الفني، وتقديم الدعم له، لا بد أن يؤدي نهاية إلى التسلية والضحك، فالنكتة السيئة أو غير المضحكة، شبح يطارد أشد الكوميديين احترافاً، ولا يكفي أن يكونوا جميعاً على ذات الخشبة، يقولون ما يشاؤون كي نضحك.

الواضح أن العرض كان قائماً على الارتجال الشخصي لكل مؤد؛ إذ لا يوجد ما يجمعهم مع بعضهم بعضاً، لا الموضوع ولا نوع الكوميديا، وكل منهم كان يمتلك عشر دقائق فقط (وللمفارقة هذا الزمن هو المتداول حين يسمح لأحدهم أن يعتلي الخشبة لأول مرة)، والمفترض من المحترف أن يكون مستعداً وقادراً على إضحاكنا خلال هذه الدقائق العشر، لكن الواضح أنّ الرهان على الكوميديان وحده، من دون خطة مسبقة أو تنسيق من نوع ما في ما يتعلق بالموضوعات، قد يؤدي إلى ما شاهدناه، كوميديا لا يضحك عليها أحد.
تلقى العرض الكثير من الانتقادات، أشارت عدة مواقع إلى أنه "أكثر مشروع غير مضحك يمكن لكوميدي أن يشارك فيه"، وأخرى قالت إنه "مضيعة للوقت". صحيح أن بعض النكات كانت جريئة، ولا تلائم الصوابية السياسية، لكنها لم تكن موفقة. هنا يمكن القول، أو الافتراض، أن "نتفليكس" تحاول تأمين الربح السريع، خصوصاً بعد انخفاض أسعار أسهمها، وتحويل الكوميديا إلى وسيلة لاجتذاب الجمهور.

لكنّ هذا مجرد رأي؛ إذ لا يمكن أن نتجاهل أنّ الكوميديين وجدوا في "نتفليكس" منصة عالميّة تبيح لهم أن يقولوا كلّ ما يشاؤون، وأن يتقاضوا أجراً خيالياً، من دون الحاجة إلى الأداء في المسارح الكبرى والملاعب أمام الآلاف. تكفي صالة صغيرة، وبضع مئات من الحاضرين، لتسجيل عرض خاص لـ "نتفليكس" حتى يتم الأمر، ويُصرف الشيك.

المساهمون