الحوارات العربيّة: مدخلٌ إلى اشتغالات السينمائيّ بلغته الخاصّة

الحوارات العربيّة: مدخلٌ إلى اشتغالات السينمائيّ بلغته الخاصّة

24 يوليو 2019
داود عبد السيد: الحوار مدخل إلى العالم السينمائي (فيسبوك)
+ الخط -
الكتب السينمائية في العالم العربي، المعنيّة بحواراتٍ طويلة مع سينمائيين عرب، قليلةٌ للغاية. التجربة الغربية حيوية ومتنوّعة، تُثير رغبة في الاطّلاع عليها ومتابعتها، وإنْ يكن عدد تلك الكتب الغربيّة أقلّ من غيرها، فهذا لن يحول دون تبيان أهميتها، ومدى الحاجة إليها. كتبٌ كهذه تكشف مناحي كثيرة في السيرتين الحياتية والمهنيّة للسينمائيّ، وفي نتاجاته أيضًا، وتُقدِّم رؤيته المتعلّقة بشؤون جمّة، وتمنح المهتمّ والمُتابع تفاصيل لن يُدركاها من دون حوار مع صاحبها، عبر كتب كهذه، تحاول دائمًا أنْ تكون شاملة، قدر المستطاع.

التجربة الغربيّة غنيّة بنقاش مباشر بين ناقد وسينمائيّ، والسينمائيّ يكون مخرجًا أو ممثلاً أو مُصوّرًا او مُوَلِّفًا أو عاملاً في مهن سينمائية مختلفة، رغم أن الغلبة تكون، عادة، لحواراتٍ مع مخرجين وممثلين. أحد أبرز عناوين التجربة هذه يتمثّل بالكتاب المُشوِّق للغاية: "السينما بحسب ألفرد هيتشكوك" ("منشورات روبير لافون"، باريس، الطبعة الأولى، 1966) لفرنسوا تروفو، أو كما يُعرف أيضًا بـ"هيتشكوك/ تروفو". لبرتران تافيرنييه تجربة في المجال نفسه: "أصدقاء أميركيون: حوارات مع كبار مؤلّفي هوليوود" ("منشورات معهد لوميير" و"آكت سود"، باريس، الطبعة الأولى، 1993). المجلة السينمائية الفرنسية "دفاتر السينما" معتادة على إصدار كتب تضمّ حوارات عديدة مع سينمائيين مختلفين، منشورة في أعداد سابقة لها.



هذه نماذج. صحيح أن تروفو وتافيرنييه مخرجان، لكن اشتغالهما في النقد السينمائي، السابق على انتقالهما إلى الإخراج، دافعٌ لهما إلى تحقيق هذا النوع من الكتب، وكتبٍ أخرى أيضًا. للروائي الإيطالي ألبرتو مورافيا تجربة تختلف كلّيًا عن طبيعة الحوار القائم بين عاملين في السينما. عام 1961، يُطلب منه حوارٌ مع كلاوديا كاردينالي، فيُجريه بعيدًا عن الاستديوهات والمشاريع والعلاقات المهنيّة، فهو يختار منذ البداية أن يغوص في تفاصيل دقيقة عن يومياتها وهواجسها الشخصية وأحلامها وكوابيسها وقلقها ووحدتها ودقائق عيشها وعلاقاتها بالملابس والعطور والأحذية، رافضًا الذهاب معها إلى "الأضواء" ومستلزماتها، ومرافقًا إياها في عالمها الخاص جدًا.

مع الإيطالية مونيكا بيلّوتشي والفرنسية كاترين دونوف، الأمر مختلفٌ أيضًا. غييوم سْبَالشيارو يلتقيها في "لقاءات سرّية" ("أرشيبال"، 2017)، كي تبوح بما يحلو لها. دونوف مكتفية بسرد يوميات متعلّقة بتصوير أفلامٍ لها، يضمّها لاحقًا كتاب "في ظلّي أنا" (منشورات "ستوك"، 2004). هاتان تجربتان تكشفان، بأسلوبين مختلفين، بعض الخاص والحميميّ، في السينما والفضاء الذاتيّ معًا، كمن يُحاور نفسه بنفسه، بلغة تبتعد عن النقد والحوار المباشر، وتتوغّل في دهاليز الروح والانفعال والذات.

محاورة سينمائيّين عرب، تصدر في كتب مستقلّة، نادرة. سينمائيون عرب كثيرون يخشون البوح والاعتراف، وإنْ يفعل بعضهم هذا، فبرغبة في إضاءة ما يريد الإضاءة عليه، منعًا لتشويه أو تزوير أو فضح. الخشية من كشف مخبّأ أو مستور تحول دون قول صادق كلّيًا، وإنْ يكن معظم القول صادقًا وحقيقيًا، لكن هذا الـ"معظم" محصورٌ بما يراه السينمائيّ قابلاً للكشف.

تجربة الناقد المصري أحمد شوقي، في الأعوام القليلة الفائتة، تدعو إلى تفكيرٍ إضافي في المسألة. 3 كتب/ حوارات، يُصدرها شوقي بالتعاون مع مهرجانات سينمائية مصرية، بمناسبة تكريم السينمائيّ محور الكتاب: داود عبد السيد (2014) ويسري نصرالله (2017) وخيري بشارة (2017). ربما يضع التكريم حواجز، لكن الكتب المذكورة تلك تُفكّك عوالم سينمائية، وهواجس فكرية وثقافية واجتماعية، وتساؤلات مختلفة يطرحها السينمائيون على أنفسهم عبر اشتغالاتهم وأفلامهم، ويُشارك أحمد شوقي ـ عبر حواراته معهم ـ في طرحها والبحث فيها وعن أجوبة ما لها.

لكن التجربة محتاجة إلى تفعيل واستمرار، فهي أحد المداخل الأبرز إلى اشتغالٍ وتفكير وعيشٍ.

المساهمون