ستان لي: الأبطال الخارقون في رجل واحد

ستان لي: الأبطال الخارقون في رجل واحد

14 نوفمبر 2018
لي في مكتبه النيويوركي عام 1975 (مايكل تايغ/Getty)
+ الخط -
فور الإعلان عن رحيل ستان لي (1922 - 2018)، المؤلف والمدير السابق لشركة "مارڤيل" للكتب المصورة، اندلعت عاصفة من ردود الأفعال الحزينة على المواقع الاجتماعية، سواءً لممثلين ومشاهير، أو جمهور من القراء والمشاهدين، تعبر عن مدى تأثير لي وشخصيات أبطاله الخارقين في طفولتهم وحيواتهم. وصفه بوب إيغر، رئيس شركة "ديزني" الحالي بأنه "بطل خارق في حد ذاته". بينما قال كريس إيفانز، الممثل المشهور بشخصية "كابتن أميركا" إنه "ترك أثراً لا يمحى في العديد من الأرواح"، بينما وصفه الناقد جيمس بيراردنيلي بكلمات أقل عاطفية، فقال إنه "واحد من أكثر الشخصيات تأثيراً في الثقافة الشعبية الأميركية طوال تاريخها، وسيعيش إرثه لملايين وملايين السنين". الجمل الثلاث تعبر بوضوح عن القيمة العاطفية والثقافية والفكرية لستان لي، والأثر الضخم الذي تركه في حياته المديدة التي امتدت لـ95 عاماً. فكيف حدث كل هذا؟


الحرب والألوان
ولد لي عام 1922. ومنذ طفولته المبكرة، أراد أن يكون كاتباً وروائياً. كتب قصصاً جعلته مميزاً بين أقرانه، وكان طموحه معروفاً بين أفراد العائلة؛ فعند تخرجه من الثانوية استطاع عمه روبي سولومون أن يجد له وظيفة في مجلة "تيمبلي كوميكس"، ويعرّفه إلى صاحبها مارتن غودمان، الذي أدرك موهبة لي منذ اللحظة الأولى، فجعله مساعده الأساسي وهو لم يزل في السابعة عشرة من عمره.
في ذلك الوقت، لم يكن لي سعيداً بهذا الوضع، لأن الكتب المصورة كانت سمعتها سيئة، كدرجة أدنى من الأدب، ولم يرد أن يرتبط اسمه "كروائي عظيم لاحقاً" كما يرى نفسه بالـ"كوميكس"، إلا أن ذلك لم يمنع مساهمته الفعالة جداً في الشركة، وفي سن التاسعة عشرة عام 1941 كان محرراً وكاتباً لبعض إصدارات المجلة، وكان أهمها على الإطلاق وضعه النواة الأولى لشخصية "كابتن أميرِكا".
مثّلت الشخصية استجابة مباشرة للحرب العالمية الثانية الدائرة في ذلك الوقت، كبطل خارق ملحمي يحمل كل "القيم" التي تصدرها أميركا ضد ألمانيا النازية. بعدها بعام، انضم لي نفسه للجيش الأميركي، وكانت مرحلة مهمة في تكوينه، وحين انتهت عام 1945، قرر أن يحقق حلمه في أن يكون روائياً، ولكن -لحسن الحظ ربما- لم تكن موهبة لي الأدبية باللغة والكتابة فائقة كما تصور، فلم تحقق أي من كتاباته مردوداً جيداً يسمح له بالنشر والاستمرار، تنقل بين أكثر من صنفٍ أدبي، وكتب أدب رعب وخيال علمي ورومانسي وساخر، إلا أنه عانى من الإحباط طوال 15 عاماً من مسيرته، حتى جاءت فكرة "مارڤيل".



ليس أدباً أقل
مع يأس لي المتكرر من الأدب، اقترحت عليه زوجته ورفيقة دربه، جوان، أن يكتب ويبتكر "أبطالاً خارقين"، نظراً إلى النجاح السابق لـ"كابتن أميركا" في مطلع الأربعينيات. ورغم عدم حماسه، إلا أنها أقنعته بفكرة أن "لا شيء يخسره". تلك النصيحة ستغير حياة لي إلى الأبد، وستؤثر في الأدب والثقافة الأميركية بشكل لا يضاهى.
كان "الأبطال الخارقون" لشركة "دي سي" (مثل سوبرمان وباتمان وغيرهم) في أوج ازدهارهم خلال الخمسينيات، لأسباب كثيرة، من بينها التأثر بمناخ الحرب الباردة، وقدرتهم على تكوين ثقافة بصرية مغايرة. لذلك، كان مارتن غودمان (رئيس لي السابق في "تيمبلي كوميكس") لديه رغبة وحماس في خلق سلسلة جديدة ومختلفة من الأبطال الخارقين، فقرر مشاركة لي وتغيير اسم الشركة إلى "مارڤيل"، وبداية رحلة طويلة جداً لم تنتهِ حتى الآن.
كان أول إصدارات الشركة الكتاب المصور The Fantastic Four (يناير 1963) يتم فيه تقديم الفريق الخارق المتكون من أربعة أفراد. النجاح الكبير الذي حققه الكتاب، دفع "مارڤيل" للاستمرار بحماسٍ وثقة أكبر. لم يعد لي يرى الكتب المصورة صنفاً أقل من الأدب، على العكس اعتقد أن مسيرته ككاتب تبدأ الآن من خلال الصور أكثر من اللغة.
انخرط مع غودمان وفناني الشركة في ابتكار شخصيات وأبطال جدد، بأفكار مميزة ومبتكرة طوال الوقت؛ مثل Spiderman الذي يملك قدرات العنكبوت في جسدٍ آدمي، أو Hulk العملاق الأخضر الذي يصبح خارقاً حين يغضب، أو Thor القادم من كوكب آخر، أو الـX-Men الذين يعانون بسبب قدراتهم والفجوة بينهم وبين البشر، كذلك Iron Man وDaredevil، وغيرها من الشخصيات التي ظهرت للنور في ظرف سنوات من ستينيات ثورية جداً، قبل أن يكون بعضهم بعد ذلك فريق The Avengers.

نجاح "مارڤيل" وكتبها المصورة كان له أسباب كثيرة، ولكن على رأسها أن أبطال لي الخارقين مختلفون تماماً عن السائد في تلك المرحلة؛ لم يكن أي منهم شخصاً مثالياً، أو قادراً على اتخاذ القرارات الصائبة طوال الوقت، على العكس تماماً، فبيتر باركر هو مراهق منطوٍ يتحول فجأة إلى "رجل عنكبوت" خارق، وفي خطٍ مواز لمغامراته هناك قصة "نضوجه" الشخصي. وديفيد بانر هو طبيب يتحول إلى "هالك" بعد تجارب علميه خاطئة، ويعاني طوال الوقت للتحكم في غضبه كي لا يدمر كل شيء. توني ستارك هو ملياردير لديه عقدة مرتبطة بوفاة والديه ويداري ضعفه الشخصي بقناع من الصلافة والغرور والثقة، وعلى نفس الشاكلة تأتي كل شخصيات لي، وفي عقد ستينيات ثوري وغاضب وممتلئ بالأسئلة لجيلٍ كامل. كان التوحد مع شخصيات "مارڤيل" وبالتالي نجاحها الشديد منطقيا للغاية، فهم ليسوا فقط "خارقين وأبطالا"، ولكنهم أناس لديهم هشاشتهم وضعفهم الإنساني أيضاً.




عصر الأبطال
بعد نهاية الستينيات الصاخبة قرر لي اعتزال الكتابة والاكتفاء بكونه رئيساً شرفياً في مارڤيل ومشرفاً على بعض مطبوعاتها عام 1972. لا توجد أسباب واضحة لقراره، في وقت كان كاتب الكوميكس الأشهر والأهم في أميركا على الإطلاق. البعض يقول إن خلافات داخلية في الشركة أدت لذلك، ولكن الأغلبية يذهبون وراء التفسير الأبسط وهو أن حياة لي العائلية كانت الدافع وراء أن يعيش بشكل أكثر هدوءًا. ليظل لثلاثة عقود رمزاً لأجيال من محبي الكتب المصورة، الذين ارتبطوا بشخصياته وحتى بصورته الأيقونية ذات الشعر الأبيض والشارب الكث التي تظهر أحياناً، قبل أن تأتي الألفية بازدهارٍ استثنائي جديد لأعماله، ذهب بها إلى شريحة أوسع كثيراً من المحبين.
فمع مطلع الألفية أنتج فيلم Spiderman (سام ريمي – 2002) وحقق نجاحاً استثنائياً في دور السينما، وعلى غير المعتاد لأفلام "الكوميكس" خلال تلك الفترة. فتح هذا الأمر الباب لما أصبح بعد ذلك "عصر الأبطال الخارقين"، والذي وصل إلى ذروته مع قرار شركة "مارڤيل" بدء إنتاج أفلام سينمائية، وخلق "عالم سينمائي" موحد، يتم فيه تقديم الشخصيات بشكل منفرد، قبل أن يجتمعوا كفريق Avengers، تماماً كما أسسهم لي قبل عقود. ولم يكن أحد يتوقع أن تحقق أفلام "مارڤيل" هذا القدر من النجاح التاريخي والاستثنائي؛ لتكمل في 2018 عامها العاشر، وفيلمها العشرين، وتحمل قائمة "أعلى عشرة أفلام تحقيقاً للإيرادات في التاريخ" أربعة من أفلام مارڤيل! كأنجح شركة في العصر الحالي.
وفي القلب من كل هذا، كان لي موجوداً دائماً، ليس فقط بعالمه وكتاباته وشخصياته وحواراته وقيمه، ولكن أيضاً بجسده، حيث ظهر في مشهد على الأقل بكل أفلام الشركة، ليصبح أيقونة جيل جديد ينشأ ويرتبط بصورته وما كتبه.
وبعد حياة الـ 95 عاماً المديدة، رحل لي بهدوء، بعد عام واحد من رحيل زوجته جوان (في الـ95 أيضا!) التي صاحبته لقرابة 70 عاماً، وقال عنها ذات مرة إنها "صاحبة الفضل الأول في كل ما وصل إليه، وكلما أكتب عن شخصية نسائية في عالمي تكون صورتها في مخيلتي"، لذلك فلم يبقَ بعدها. ولكن في كل عام، وحين نذهب لنشاهد جزءاً جديداً من Avengers أو أبطال "مارڤيل" الآخرين سنتذكر ستان لي، بأثره في الأرواح وتأثيره في الثقافة الشعبية لأجيال متعاقبة.

المساهمون