أفلام المواسم السينمائية المصرية: تجارب فنية غير مكتملة

أفلام المواسم السينمائية المصرية: تجارب فنية غير مكتملة

14 فبراير 2018
ماجد الكدواني في "طلق صناعي" لخالد دياب (فيسبوك)
+ الخط -
منذ سنوات قليلة، قبل "ثورة 25 يناير" (2011) تحديدًا، كان العام السينمائي في مصر ينقسم إلى 4 مواسم لعرض الأفلام: عيد الفطر، عيد الأضحى، أشهر الصيف، وإجازة منتصف العام. مع الوقت، ومع ازدياد المشاكل الاقتصادية والإنتاجية التي تمرّ بها السينما، وميل الشركات والمنتجين إلى عدم المخاطرة، تغيّرت خريطة العرض والتوزيع، وأصبح شهرا يناير/ كانون الثاني وفبراير/ شباط، اللذان يتزامنان مع إجازة الطلاب في المدارس والجامعات المصرية، مرتَبِطين بعرض أفلامٍ بميزانيات مُنخفضة، في غياب نجوم الصف الأول، الذين يفضّلون عرض أفلامهم في الصيف.

في موسم إجازة 2018، عُرضت لغاية الآن 7 أفلام، في ظلّ ضعف واضح في الإقبال على دور السينما، ليس فقط كردّ فعل على غياب النجوم، ولكن بسبب مستوى الأفلام نفسها، وهذا هو الأهمّ. منها اثنان، يفترض بهما أن ينتميا إلى صناعة تجربة فنية مختلفة: "طلق صناعي" لخالد دياب، و"خلاويص" لخالد الحلفاوي.

الأول باكورة أعمال المخرج دياب، المعروف سابقًا بكتابته أعمالاً كوميدية لأحمد حلمي، كـ "ألف مبروك" (2009) لأحمد نادر جلال و"عسل أسود" (2010) لخالد مرعي و"بلبل حيران" (2010) لمرعي أيضًا، وبمشاركته في كتابة "اشتباك" (2016) لشقيقه محمد، المُشارك في مسابقة "نظرة ما"، في الدورة الـ 69 (11 ـ 22 مايو/ أيار 2016) لمهرجان "كانّ".

يتناول "طلق صناعي" حكاية زوج يختطف بعض الرهائن داخل السفارة الأميركية في القاهرة، كي تُنجب زوجته مولودهما داخلها، فيحصل الابن على الجنسية الأميركية.



بعيدًا عن المشاكل الفنية العديدة، والقرارات الإخراجية الغريبة، تكمن المشكلة الأكبر للفيلم في تشتّت خطوطه وأسلوبه: لم يستطع أن يكون فيلمًا دراميًا ذا قضية اجتماعية ووطنية (كما في مشاهده الخطابية الأخيرة)، ولا أن يكون فيلم إثارة عن اختطاف رهائن، فيستفيد من الأفلام الكثيرة، التي اقتبس منها بعض تفاصيله، كـ "الإرهاب والكباب" (1992) لشريف عرفه، أو( Dog Day Afternoon (1975 لسيدني لوميت. في الوقت نفسه، حاول خالد دياب، طوال الوقت، أن يجعل فيلمه كوميديًا، مستغلاً إمكانيات ماجد الكدواني ومصطفى خاطر لمغازلة الجمهور وشباك التذاكر. في النهاية، فشل دياب في هذا كلّه.

أمرٌ شبيهٌ بهذا يحدث مع "خلاويص" لخالد الحلفاوي، الذي بدا واعدًا في أفلامه الأولى، كـ "زنقة الستات" (2015) و"كدبة كل يوم" (2016)، ومخرجًا ذا رؤية وطابع كوميديين مختلفين. لكن، في عمله مع الممثل أحمد عيد، الذي يميل إلى تقديم أفلام كوميدية ذات بُعد سياسي أو اجتماعي أو تربوي مباشر، كانت النتيجة أنّ كلّ واحد منهما تحرّك في جانب مختلف عن الآخر، فلم يتمكّن الفيلم من أن يكون كوميديًا وهزليًا حتى نهايته، ولا جادًا بما يناسب بعض مواعظه وخطبه، في مشاهد عديدة.

هو الآخر يقتبس، أو يستلهم بعض التفاصيل من "الحياة جميلة" (1997) للإيطالي روبرتو بينيني، على مستوى العلاقة بين أبٍ وابنٍ، وسط فاجعة كبرى. لكنه، في النهاية، لم يقدِّم تجربة فنية جريئة أو طموحة، وفشل في شباك التذاكر، أيضًا.

من ناحية أخرى، خاض فيلمان آخران رهانًا مختلفًا، تعاون صنّاعهما فيهما مع نجومٍ من الصف الثاني، أو ممن يملكون جماهيرية ما، فمنحوهم "دور البطولة"، وإحاطتهم بعوامل قد تساعد على النجاح: "عقدة الخواجة" لبيتر ميمي، تمثيل حسن الرداد، هو الفيلم الأول الذي حاول فعل ذلك، مستغلاً نجاح الرداد في فيلمين كوميديين سابقين (مع إيمي سمير غانم). في "عقدة الخواجة"، تمّ الدفع به كـ "بطل أول"، مع خليط تجاري مكوَّن من بعض "الكوميديا" و"الأكشن" و"الرومانسية"، فإذا بالنتيجة غير مرضية تمامًا، حتى على المستوى التجاري، إذْ حقّق أقلّ من 5 ملايين جنيه مصري، في نحو 4 أسابيع من العروض التجارية.

الرهان الثاني كان على الشعبية الجارفة لرامز جلال، بفضل برنامجه الكوميدي (المعتَمِد على فكرة "الكاميرا الخفية")، الذي يقدّمه سنويًا في شهر رمضان. جلال عاد إلى السينما بـ "رغدة متوحشة"، الذي تشبه فكرته، بشكل كبير، فيلم "توتسي" (1982) لسيدني بولاك، فكلاهما عن شاب يتنكّر في شخصية فتاة، من أجل الحصول على فرصة عمل في مسلسل/ إعلان تلفزيوني.

الأفلام الـ 3 الأخيرة، المعروضة في هذا الموسم، هي: "حليمو أسطورة الشواطئ" لمحمد سعيد، مع طلعت زكريا؛ و"اطلعولي برة" لوائل إحسان، مع كريم محمود عبد العزيز؛ و"جدو نحنوح" لسيف يوسف، مع ممثلين غير معروفين إطلاقًا. يُمكن وضع الأفلام هذه ضمن قائمة "أفلام المقاولات"، تلك التي تُنتج بميزانيات قليلة جدًا، ولا تهدف إلى النجاح في دور السينما أو في جذب الجمهور، بل فقط كي تُحقِّق كسبًا اقتصاديًا، كأي مشروع يهدف إلى الربح. والمصطلح (أفلام المقاولات) معروفٌ في ثمانينيات القرن الـ 20، عندما كانت تُنتَج الأفلام لتصديرها على "شرائط فيديو" إلى بعض دول الخليج العربي (سوق خارجية "دارجة" جدًا للسينما المصرية، حينها). الآن، يتّخذ الأمر شكلاً آخر، إذْ يهدف الإنتاج إلى بيع الأعمال إلى القنوات الفضائية، وتحقيق ربح تجاري، حتى لو كانت من دون أي شيء يَمُتّ إلى السينما بصلة.

المساهمون