شوقي الماجري... بعيدٌ عن الترفيه قريبٌ من السياسة

شوقي الماجري... بعيدٌ عن الترفيه قريبٌ من السياسة

13 أكتوبر 2019
"دقيقة صمت" الاكثر جدلا في مسيرة الماجري (فيسبوك)
+ الخط -
قليلة جدًا المسلسلات التلفزيونية العربية القوية التي استطاعت عبر أعوام أن تحفر اسمها عميقًا في الذاكرة الهشّة للمُشاهدين العرب، لما أصابها، منذ مطلع القرن الـ21، من تصدّع فني وجمالي، له علاقة بالركام الهائل من المسلسلات التلفزيونية المبتذلة والمتشابهة أحيانًا كثيرة، والتي تُبثّ يوميًا على القنوات التلفزيونية العربية، باستثناء بلدان عربية قليلة.

فرغم ضعف مسلسلات وهشاشتها وفقرها الفني، تظلّ الملاذ المشتهى لمشاهدين عرب كثيرين، خاصة في شهر رمضان السابق، الذي احتل فيه مسلسل "دقيقة صمت" (2019)، للتونسي شوقي الماجري، وما رافقه من جدل في الصحافة العربية، خصوصًا لتوجيهه نقدًا مضمرًا لجهاز المخابرات السورية، فاتّهم المخرج بسرقة عمل وإخراجه خارج سورية، ومن دون إخضاعه للرقابة، رغم حصوله على إذن التصوير، ما أسفر عن غضب شريحة كبيرة من المجتمع التي وجدت في المسلسل جرأة غير مألوفة، ونقدًا صريحًا للنظام السوري وأتباعه.

لكن قوة شوقي الماجري، المتوفى صباح 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، لا تتوقّف فقط عند "دقيقة صمت"، فهو أثبت، في مرّات كثيرة، موهبته في الإخراج التلفزيوني، ما جعل منتجين عربا كثيرين يرغبون في دعم مشاريعه التلفزيونية، ومنها "أسمهان" (2008)، الفائز بجائزة "أدونيا" كأفضل إخراج، و"هدوء نسبي" (2009)، الحاصل بفضله على جائزة افضل إخراج أيضًا. بالإضافة إلى أعمال تلفزيونية أخرى مهمة، كـ"توق" (2011)، و"نابليون والمحروسة" (2012)، و"حلاوة الروح" (2014)، و"سقوط حر" (2016)، وهي أعمال مميزة في السياق العربي، إذْ يتبدّى ذكاء المخرج وهو يختار شخصياته ومواضيعه بعناية فائقة، وأغلبها ذات بعد أيديولوجي، يُظهر أن الماجري مثقفٌ وصاحب موقف ورؤية ومشروع فني، في أحداثٍ سياسية واجتماعية أصابت بلدانًا عربية، فيُشارك ويُجرّب ويُغامر في عوالمها السياسية المخيفة، مقابل مخرجين يتعمّدون دائمًا استلطاف مشاعر المشاهد العربي وتجييشه بمواضيع تبدو، في طرائق تناولها، ساذجة، كالحب والسعادة والخيانة، وغيرها، وهي مألوفة في الدراما العربية. مخرجون يتعاملون معها بسذاجة وحماسة مفرطة، ما يجعل أعمالهم مستهلكة دائمًا، وسرعان ما يصيبها الشرخ والنسيان.

يؤكّد الماجري موقفه جيدًا في "حلاوة الروح"، والذي يُعتبر في طليعة مسلسلاته، متناولاً فيه موضوعًا حسّاسًا له علاقة بالربيع العربي، إذْ يحكي قصّة عاشقين من سورية يرغبان في العودة إلى وطنهما، بعد مغادرته لتصوير فيلم وثائقي عن الحرب السورية. وتتقاطع القصّة مع قصّة حب أخرى قديمة (منذ 30 عامًا) بين صحافي مصري يبحث عن ابنته المخطوفة، وصحافية لبنانية، وتتطوّر القصة وتتشابك في نسيج سردي غني بالشخصيات والأزمنة والأمكنة، بين سورية ولبنان ومصر والإمارات العربية المتحدّة. موقف المخرج واضحٌ في نقده اللاذع للأنظمة السياسية وجبروتها، خاصة أنّ قصص الحب والمشاعر الجياشة تجعل العمل، ظاهريًا، مجرّد مسلسل حب، لكنه ينطوي على أبعاد اجتماعية عميقة، ويضمر رسائل سياسية صريحة للأنظمة، وما آلت إليه البلدان العربية بعد الربيع العربي من فساد وضعف وتسلّط، علمًا أنّ المسلسل يتناول الجهاز الإعلامي الحر أيضًا، الذي لا يماري النظام، ما يؤدّي به، أحيانًا كثيرة، إلى الخطف والتعذيب.

المساهمون