"آبل" في السينما: الأوغاد لا يستخدمون الآيفون

"آبل" في السينما: الأوغاد لا يستخدمون الآيفون

19 مايو 2020
كثير من الأفلام الحديثة تميل لاستخدام الهواتف القديمة (Getty)
+ الخط -
يمكننا الآن أن ندرج سؤال السينما في الحوار القديم الجديد حول الأدب والواقع: هل الأدب انعكاس للواقع أم لا؟ وهل وظيفته أن يكون انعكاسًا له؟ فالأفلام الروائية تصور أحداثا تحصل في الغالب على كوكب الأرض، وفي سياقات زمنية مختلفة (ماضٍ- حاضر- مستقبل)، وحتى أحيانًا في سياقات خارج كوكب الأرض. لكن الخيال البشري يبقى خيالًا صُوريًا، لا يمكنه أن يخلق شيئًا غير موجودٍ، وبالتالي، حتى وإن كان الفيلم خيالًا علميًا أو فانتازيا، فهو يعود إلى الأساطير التاريخية ويتلاعب في تفاصيلها أو يجمعها في مكان واحد أو أنه يبني خيالًا على حقائق وتوقعات قديمة أو معاصِرة.
طوال القرن الماضي، توقعت الكثير من الأعمال الفنية شكل الحضارة البشرية تكنولوجيًا في القرن الحادي والعشرين، خصوصًا فيما يخص الاتصالات، وكثير منها أصاب التوقع، حيث صارت الاتصالات لا سلكية وعبر الهواتف المحمولة، ثم جاء الإنترنت، ثم أجهزة الحواسيب المحمولة، وأخيرًا وليس بآخر، وصول شبكات الإنترنت عبر الهواتف الذكية إلى المستخدمين.
وامتدادًا لسؤال السينما والواقع، شكّلت قضية الهواتف الذكية صُداعًا ومشاكل في هوليوود، في ما يخص صناعة الأفلام والمسلسلات، ذلك أن الكُتاب والمخرجين أحيانًا يُركزون على قضايا أكبر من قضية الهاتف المُستخدم في حبكة الفيلم. تتمثل هذه المشكلة في الصحة التاريخية لاستخدام هاتف مُعين، في فترة زمنية ما أو عدم استخدامه. ليس من المنطقي أن يصدر فيلم يتحدث عن فترة نهاية التسعينيات، ويكون هناك غياب للهواتف المحمولة مثلًا أو الإنترنت، وقد ظهرت هذه المشكلة جَليًا في فيلم Before Sunrise 1995، حيث كانت الهواتف المحمولة مَوجودة في ذلك الوقت، وأيضًا كان الإنترنت موجودًا، ولكن الفيلم لَم يُشر إليهما، ولم يُشر إلى أن مشكلة التواصل بين الشاب والفتاة كانت لِتُحل بوجود أرقام الاتصال أو حتى الاتصال عبر الإنترنت. الكلام في الأسطر الأخيرة ليس اجتهادًا، وإنما كان حسب تعبير مُخرِج الفيلم ريتشارد لينكليتر، إذ عندما سُئِل عن الموضوع، حاول التهرب من الإجابة بقوله إنه لم يحدد الفترة الزمنية التي حصلت فيها أحداث الفيلم.

التكنولوجيا بشكل عام تُعد مُرهِقة للكتّاب والمخرجين عند تضمينها في الأعمال السينمائية، حيث يستوجب من الكادر العامل حسّ التزامٍ عالٍ في دقة الاستخدام. ففي فيلم The Departed 2006، نرى أن الشخصيات تُراسل بعضها باستخدام هواتف قديمة للغاية، أقدم من سنة الإنتاج أو نشر الفيلم، ما يعني وجود ثغرة في الفيلم حسب كلام أحد أعضاء الفريق التحريري للعمل، جويل هيرش: "عندما تحاول الأفلام التعامل مع الهواتف الخليوية، يُشكل الأمر تعبًا إضافيًا. استخدام التكنولوجيا بشكل عام في الأفلام ليس إلا منحدرًا زلقًا يؤدي لمشاكل كثيرة".


لماذا الهواتف القديمة؟
حتى مع الدقّة في الاختيار والتوظيف، نجد الكثير من الأفلام الحديثة، تميل لاستخدام الهواتف القديمة، وبشكل أدق الهواتف المطوية Flip phones، تنوعت الإجابة عن أسئلة الجمهور بهذا الخصوص، فبعض صُناع الأفلام قالوا بسبب رخص ثمنها، وعدم الحاجة لها أو لأن الممثلين يكسرون الأفلام في أدوارهم أو لأن الهواتف المطوية وعلى خلاف الهواتف الذكية، تُمكّن الممثل من القيام بفعل تعبيري مثل إغلاق الهاتف بعصبية، وهي ميزة ليست متاحة مع الهواتف المُسطّحة.

الإعلانات المدمجة
مع تطور الوعي بالسينما وبالقيمة التي تفعلها السينما للمنتجات الواردة فيها، صار المنتجون أكثر حذرًا ووعيًا في استخدام الهواتف، إذ يعد الفيلم الناجح تسويقًا للأجهزة المُستخدمة فِيه، وطبعًا الكل يريد التربح من هذا الأمر، وهو ما يعرف في علم التسويق بالإعلانات المُدمجة أو الأصلية Native Ads، حيث يتم تضمين المنتج في المشهد من دون التسويق المُباشر والذي قد يكون مُنفرًا أحيانًا. صارت شركات الإنتاج تعلن عن أفلامها، وبالتالي تتسابق شركات المُنتجات الإلكترونية تتسابق لرعاية الأفلام من ناحية الأجهزة التلفازية الذكية أو الهواتف، وحتى منتجات المطبخ، لتحجز لنفسها دورًا في هذه الأداة الإعلامية الضخمة، والتي تصل بفضل العولمة إلى كل أسواق العالم.


الشخصيات الشريرة
لو ركّز المشاهد في الأفلام والمسلسلات في آخر 15 سنة، وهي السنوات التي شهدت ثورة الهواتف الذكية، وأيضًا التي شهدت صعود شركة "آبل" في صناعة جهازها iPhone، فسيجد أن بعض الأفلام والمسلسلات (قليلة) توظف أجهزة "آبل" في المشاهد التمثيلية، وسيجد أيضًا أن الأوغاد Villain أو الـ Anti-hero لا يستخدمون أجهزة "آبل" نهائيًا.
في مقابلة مصورة مع صانع الأفلام ريان جونسون (مخرج فيلمي Knives Out وStar Wars: The Last Jedi) على موقع مجلة Vanity Fair، صرّح قائلًا: "تسمح لك "آبل" باستخدام هواتفها في الأفلام، ولكن لا يسمح للشخصيات الشريرة أن تستخدم منتجات الشركة في المشاهد التصويرية".
في الفيلم الأخير للمخرج Knives Out، تقريبًا تكون كل الشخصيات مُشتبها فيها بقتل الآخر، ولكن بعد معرفة هذه المعلومة، فسيكون حرق أحداث الفيلم سهلًا، لأن الشخصيات البريئة مثلًا كانت تستخدم هواتف iPhone في حين أن الشخصيات القاتلة كانت تستخدم هواتف أندرويد.
لا يتوقف الأمر، كما أشرنا، على هواتف آبل، وإنما على أجهزتها أيضًا، حيث وفي مقالة نُشرت منذ 20 عاماً على موقع The Wired، تُناقش أن كل الشخصيات السيئة في مسلسل 24 كانوا يستخدمون أجهزة بنظام وندوز، وكل الأبطال يستخدمون حواسيب من نوع MacBooks.
في تقريرٍ على موقع Android Authority، يشرح الكاتب أن الأمور لا تكون بهذه البساطة دائمًا، إذ إن فيلم Parasite الحائز على جائزة الأوسكار، قد أظهر الشخصيات الرئيسية (العائلة الفقيرة) وكل أفرادها يحملون هواتف أندرويد، في حين أن كل أفراد العائلة الثرية يحملون هواتف iPhones. قد يعنّ لأحدهم أن يقول إنه وحسب حبكة الفيلم المجابهة للرأسمالية، تكون العائلة الثرية هنا بدور الشخصيات السيئة، وهو ما يناقض سياسة شركة "آبل". يُكمِل كاتب المقالة بأن سياسة "آبل" تنطبق تقريبًا على الشخصيات الشريرة الواضحة/المُباشرة مثل الأوغاد في أفلام جيمس بوند أو في أفلام القتلة المتسلسلين.

دلالات

المساهمون