"كانّ" مؤجّل لكن السينما مستمرّة: مطبوعات تحتفل افتراضياً

"كانّ" مؤجّل لكن السينما مستمرّة: مطبوعات تحتفل افتراضياً

18 مايو 2020
صوفيا لورين في "كانّ" 1966 (ماريو دي بيازي/ موندادوري/Getty)
+ الخط -
المطبوعات جزءٌ أساسيّ من مهرجان "كانّ" السينمائيّ. صحفٌ ومجلات تُصدر أعداداً خاصّة بكل دورة من دوراته السنوية، أو تُصدر عدداً صباح كل يوم من أيام كلّ دورة. الصحيفة اليومية الفرنسية "ليبراسيون" تُباع يومياً أمام المدخل الرئيسي للصالة الكبرى "لوميير"، وفيها صفحات عدّة تتناول أفلاماً وشخصياتٍ، وتنشر حوارات وتحقيقات. المجلة الأسبوعية "الفيلم الفرنسي"، المعنيّة باقتصاد السينما وأرقامها ومشاريعها وإنتاجاتها، تُصدر عدداً يومياً يوزّع مجّاناً على النقّاد والصحافيين السينمائيين. مجلات أخرى، كـ"هوليوود ريبورتر" و"فارايتي" و"باري ماتش" و"فانيتي فير" وغيرها، تكتفي بعدد خاصٍ (يوزّع مجّاناً أيضاً)، تتراوح مواضيعه بين استعادة محطّات وذكريات، تمتلئ بصُور فوتوغرافية يغلب عليها الأسود والأبيض، وريبورتاجات راهنة عن تفاصيل صناعة المهرجان ومحيطه.

هذا تقليد سنوي غير متوقّف البتّة. مهرجان "كانّ" غير معنيّ بمطبوعة يومية تحمل اسمه. يكتفي بـ"كاتالوغ" للمسابقة الرسمية (ولبعض المسابقات الأخرى)، يُعتبر "المرجع الوحيد" لها في كلّ دورة، إلى "كاتالوغات" مسابقات وبرامج أخرى توزّع بشكلٍ مستقلّ. غالبية المهرجانات الدولية متشابهة في هذا الإطار. المهرجانات العربيّة تبتكر تقليداً آخر: مطبوعة يومية تنشر معلومات ومقابلات وبرامج اليوم نفسه، إلى جانب الـ"كاتالوغ" الرسميّ، بينما "مهرجان القاهرة السينمائي" يُصدر كاتالوغاً خاصاً بكل مسابقة.

زملاء وأصدقاء غير مكترثين بهذا كلّه. آخرون يرون في المطبوعات إفادة، وإنْ تنحصر بالنسبة إليهم في المعلومات. في "مهرجان برلين"، تصدر مجلات سينمائية بشكل يومي، مانحة المهتمّ ما يحتاج إليه من معلومات وتفاصيل وسجالات وتوقّعات. وإذْ تغلب اللغة الألمانية عليها، إلى جانب الإنكليزية، فإنّ فضاء مهرجان "كانّ" مفتوحٌ على مساحة أوسع للّغتين الفرنسية والإنكليزية. بينما تتضمّن بيانات أفلام كثيرة وملصقاتها وملفّاتها الصحافية نصوصاً بالإنكليزية والفرنسية غالباً، وبلغات بلدانها أحياناً.

هذا غير عابر. قراءة "الفيلم الفرنسي" يومياً إضافة معرفية بأحوال صناعة السينما والتوزيع والمشاريع الجديدة. غالبية مواضيعها مرتبطة مباشرة بما يحدث في السوق السينمائية في "كانّ"، وفي منصّات الإنتاج والتوزيع المختلفة. أرقام ومعطيات آنيّة، ومقالات وحوارات تجعل المهتمّ أكثر إلماماً بيوميات الاقتصاد السينمائي، وهذا مطلبٌ وحاجة صحافيّان. مجلات أخرى تكتفي بذاكرة وصُور فوتوغرافية، وبعض تلك الأخيرة يحتفظ بجماليات فنية وتاريخية لا مثيل لها. مجلات كهذه تذهب إلى محيط مهرجان "كانّ"، كاشفة عن عالمٍ متكامل من الصناعة والأعمال، مع تحقيقات عن أروقة السهر اليوميّ في أمكنة مغلقة أو مفتوحة: مطاعم، مقاهٍ، فنادق، مجوهرات، أزياء، عطور، إلخ. مجلات تنشر تحقيقات عن عاملين في المهرجان أيضاً، في مجالات أخرى: الملصق الرسمي، الـ"كاتالوغ"، تماثيل الجوائز، السعفة الذهبية. هذه مسائل محصورة بأسماء قليلة، تتغيّر بين فترة وأخرى. مسائل تنبثق من الفنيّ البصريّ، وتجمع الصناعيّ بالتجاريّ والدعائيّ.

لكنّ وباء "كورونا" يُعطِّل كلّ شيء هذا العام. الدورة الـ53، التي يُفترض بها أنْ تُقام بين 12 و23 مايو/ أيار 2020، مؤجّلة إلى العام المقبل. هذا يعني أنّ الصناعة الرديفة للمهرجان متوقّفة عن إنتاج المعتاد سنوياً، فكلّ شيء مُغلق تماماً. مع هذا، تتغلّب المجلة الشهرية الأميركية "فانيتي فار" على الأزمة، بقرار تُنفّذه إدارة الطبعة الفرنسية: إصدار عدد خاص بعنوان "كانّ 2020" (14 مايو/ أيار 2020)، يُعاند سطوة الوباء، ويجهد في الانتصار للسينما، ويريد ردّاً ثقافياً وفنياً وإعلامياً على حالة الطوارئ المعمول بها في "كانّ"، وفي مدن أخرى في العالم. عدد خاص بنسخة إلكترونية، يُمكن للمهتمّ الاطّلاع عليه وقراءة مواضيعه مجّاناً. عدد (19 صفحة) يُتيح للجميع فرصة متواضعة لبعض المتعة في رحاب مهرجان معطَّل، ومدينة صامتة، وصالات فارغة، وأزقّة وحيدة. صُور قديمة تستكمل تقليد الاستعادة والتذكّر، وتضع أمام المهتمّ بعض اللحظات الجميلة. صُور أساسية لـ3 ممثلات في "كانّ"، في أعوام مختلفة: الأميركية غريس كيلي عام 1955، والإيطالية صوفيا لورين عام 1966، والإسبانية بينيلوب كروز عام 2019. هناك أيضاً صورة للأميركي سبايك لي في نيويورك عام 1989، علماً أنّه اختير لرئاسة لجنة تحكيم المسابقة الرسمية، المؤجّلة إلى العام المقبل (هناك "بورتريه" عنه في العدد المذكور، إلى جانب حوار طويل مع المندوب العام للمهرجان، تييري فريمو).

إصرار الوباء على إحكام قبضته على العالم، بانتظار التغلّب عليه، يُقابله إصرار سينمائي على ابتكار أنماطٍ مختلفة من المواجهة والاستمرار. الحذر السينمائي حاضرٌ ومهمّ، لكنه لن يحول دون احتفال دائم بالشاشة الكبيرة، رغم تأخّر إضاءتها مُجدّداً إلى وقتٍ غير معروف، ولن يمنع مُشاهداتٍ متنوّعة، وإنْ تعتمد (المُشاهدات) مؤقّتاً على مواقع ومنصّات. بدورها، تُشارك مطبوعات مختلفة في هذا الإصرار، فالسينما فعل حياة واقتصاد واجتماع وعيش وتواصل. لذا، لديها القدرة على توليد المناسِب لمواجهة ظرفٍ استثنائيّ.

المساهمون