اللهجات في الدراما السورية والمشتركة: لسان بسبعة رؤوس

اللهجات في الدراما السورية والمشتركة: لسان بسبعة رؤوس

12 مايو 2020
أُسندت لهجات إلى ممثلين لا يجيدونها في "بروكار"(من المسلسل)
+ الخط -
في العائلة الواحدة، إن كان الأب والأم يتكلمان باللهجة اللبنانية فمن الممكن أن يتكلم ابنهما باللهجة السورية. هذا أمر يجب أن تعتاد عليه إن كنت من أنصار الدراما العربية المشتركة، التي تعاني من أزمة حادة في اللغة منذ نشأتها؛ إذ لم يهتم القائمون على هذه الأعمال بصياغة لغة مشتركة ليتحدث بها الممثلون الذين يحملون جنسيات مختلفة، ولم تهتم معظم المسلسلات المشتركة ببناء شبكة علاقات تمنطق اختلاف اللهجات فيها. والأمثلة على ذلك كثيرة، منها مسلسل "الأخوة"، الذي يتمحور حول عائلة مكونة من ستة أفراد، الأب لبناني، وله أربعة أبناء سوريين، وابن مصري. ومن المسلسلات الجديدة التي تعاني من ذات الأزمة، "نبض"، الذي تلعب دور البطولة النسائية فيه الممثلة السورية رواد عليو، وهي تعيش مع أبيها اللبناني، سعد حمدان.

إذا ما أردنا أن نتوخى الدقة في حديثنا، فعلينا أن نذكر بأن هذه الأزمة ليست مقترنة بموضة الأعمال المشتركة التي شاعت خلال العقد الماضي، بل هي أزمة متأصلة في الدراما العربية منذ نشأتها؛ وخلال تاريخ الدراما العربية هناك عشرات المسلسلات التي وقعت في هذا اللغط اللغوي، منها مسلسل "الغدر" السوري، الذي أنتج عام 2005، ولعبت فيه الممثلة المصرية غادة شريف دور ابنة الممثل السوري رشيد عساف.

في حين نجد الدراما العربية تعجز في الكثير من الأحيان عن تقديم لهجاتها الحية بإتقان، فإننا نجد بالمقابل أن الدراما العالمية تولي اهتماماً بالغاً باللغة كعنصر رئيسي من العناصر الدرامية، وتستخدم اللغات الحية المختلفة ضمن عروضها التلفزيونية والسينمائية بإتقان لتحافظ على ما تتطلبه الدراما من منطقية؛ بل إن الاهتمام بعنصر اللغة وصل إلى حد اختراع لغات كاملة ليتم استخدامها ضمن مسلسل أو فيلم واحد.

أشهر اللغات التي اخترعت من أجل الدراما هي اللغة الكلينغونية، التي تم استخدامها لأول مرة في فيلم Star Trek سنة 1979، قبل أن يتم تداولها في العديد من العروض الدرامية، منها مسلسل The Big Bang Theory. وزاد الاهتمام في عنصر اللغة في الدراما العالمية في العقد الأخير، فتم اختراع عشرات اللغات الجديدة ضمن مسلسلات وأفلام جديدة، كما حدث في مسلسل Game of Thrones ومسلسل The 100.

في المسلسلات السورية التي تعرض في الموسم الرمضاني الحالي، نلاحظ أن أزمة اللغة ومشكلة تعدد اللهجات وتشويهها قد وصلت إلى مستوى جديد، يؤكد أن الدراما السورية باتت تفتقد معالم هويتها. ذلك ما نلحظه في مسلسل "يوماً ما"، الذي تتمحور حكايته الرئيسية حول قبيلة غجرية تعيش في سورية؛ ففضلاً عن عدم وجود لما يسمى الغجر في سورية، فإن اللغة التي يتحدث بها أفراد هذه القبيلة هي عبارة عن خليط غير متجانس من اللهجات، إذ تتداخل فيها اللهجة الشامية مع البدوية والشاوية، بل إن الحروف تبدو مشوهة على لسان الممثلتين أمية ملص وجيني أسبر، اللتين تلفظان حرف القاف بثلاث طرق ضمن الجملة الواحدة.
هذه الأزمة تمتد إلى مسلسل "حارس القدس" أيضاً، الذي تم إسناد بعض الأدوار فيه لممثلين لا يتقنون لهجات الشخصيات التي يؤدونها؛ والمثال الأبرز هي الممثلة أمل عرفة، التي لا تتمكن أبداً من الاقتراب من اللهجة الحلبية. وكذلك الحال مع الممثلة صباح الجزائري، التي تؤدي دور امرأة لبنانية، ولكنها لا تتحدث باللهجة اللبنانية إلا إذا تضمن المشهد حواراً يشير إلى أصلها.

وفي حين كانت اللغة تضفي رونقاً خاصاً على مسلسلات البيئة الشامية في الأعوام الماضية، فإننا نجد أن هذه الميزة تضيع في مسلسل "بروكار"؛ الذي يحتوي على الكثير من شخصيات "الفرنساوية". وبدلاً من أن يقوم الممثلون بتمثيل المشاهد باللغة الفرنسية مع الاستعانة بترجمة، يقومون بتأدية حوارهم باللغة العربية الفصحى بركاكة تقبح اللغة، ويضيفون إليها بعض الكلمات الفرنسية التي تتجاوز باستخدامها حدود اللغة الفرنسية، مثل "ميرسي" و"داكور" و"بردون".

والأسوأ من التعاطي مع مشاهد الفرنسيين كلغة مدبلجة، هي المشاهد التي تجمع أهالي الشام بالفرنسيين، والتي يتحدث فيها أهالي الشام باللهجة الشامية القديمة ويرد عليهم الفرنسيون باللغة العربية الفصحى، ويتمكن الطرفان من التفاهم رغم اختلاف اللغات!

المساهمون