مُشاهدة السينما: طقوس الماضي أم تواصل العزلة؟

مُشاهدة السينما: طقوس الماضي أم تواصل العزلة؟

27 ابريل 2020
جماهير الصالات: أيعودون أم يبقون في منازلهم؟ (كارلوفي فاري)
+ الخط -
يُذكِّر التساؤل عن مستقبل المُشاهدة السينمائية بعد "كورونا" بحالةٍ سابقة على تفشّي الوباء منذ أشهرٍ عدّة. حالة معقودة على اختبار شخصيّ، تنسحب على البعض في علاقته بالمُشاهدة السينمائية. فهذا البعض يرى، منذ وقتٍ بعيد، أنّ المُشاهدة المنزلية أسلم له من دخول صالة عربية مُعتمة، يعلو فيها صخب متفرّجين على سحر السينما. بعضٌ آخر يُصرّ على التزام طقوس المُشاهدة رغم كلّ شيء، وأبرز تلك الطقوس أنْ تكون المُشاهدة حكراً على الصالات.

رغم التطوّرات الهائلة في التقنيات، التي تتيح مُشاهدة منزلية تمتلك شرطها السينمائي السليم إلى حدّ بعيد، يجد البعض في مُشاهدة كهذه انتقاصاً كبيراً من السينما وصانعيها والعاملين فيها، ومن اشتغالاتها الفنية والدرامية والجمالية. العزلة المفروضة على كثيرين حالياً، بسبب تفشّي وباء "كورونا"، تُخفِّف من حدّة المُطالبة بالطقوس التقليدية للمُشاهدة، لكنّ المطالبين بها يُشيرون إلى ضرورة استعادة الممارسة القديمة للمُشاهدة بعد انحسار الوباء والقضاء عليه.

المُشاهدة المنزلية، المنبثقة من عرض أفلامٍ كثيرة على منصّات ومواقع خاصة في هذه المرحلة الصعبة، تُذكِّر بحالة سابقة تتمثّل بانفضاض البعض عن الصالات الجماهيرية في مدنٍ عربيّة، بسبب غياب أبسط مستلزمات مُشاهدة الأفلام على شاشات سينمائية كبيرة. فالصالات العربية تلك مفتوحة أمام الجميع، والغالبية منصرفة إلى مشاغلها الخاصة داخل الصالات، بدلاً من مُشاهدة الأفلام. مشاغل تعكس لا مبالاة بطقوس المُشاهدة، وعدم اكتراث بما يجري على الشاشة الكبيرة، وباهتمام البعض بالطقوس تلك.

مقبلون إلى الصالة ينصرفون إلى دردشات وثرثرات، يرتبط معظمها بالفيلم وأحداثه، فتشوّش على مُشاهد يريد المُشاهدة بحسب طقوسها. هناك من يستخدم الهواتف الخلوية، ويحتسي مشروبات، ويقتات مآكل مختلفة، كأنّهم في "حفلة شواء" لا في صالة سينمائية. همسٌ يساهم في تعطيل المُشاهدة، وضحكٌ لأسبابٍ كثيرة يُصبح عطباً فعلياً لأي تواصل هادئ مع الفيلم.

أعوام عديدة سابقة على تفشّي وباء "كورونا" تشهد عزلة منزلية لبعضٍ قليلٍ من مدمني مشاهدة الأفلام بعيداً عن توتر الصالة، و"زحمة" متفرّجين غير لائقة بهم طقوس المُشاهدة السينمائية. هذا حاصلٌ في مدنٍ عربية عديدة، تتعطّل فيها كلّ مشاهدة سليمة في الصالات. الأسوأ أنّ ثمة صحافيين وإعلاميين غير مختلفين عن مُثيري صخبٍ وضجيج في الصالات، فهم مثلهم أحياناً: يأكلون ويشربون، ويتحدّثون عبر هواتفهم الخلوية، ويتكلّم بعضهم مع بعض، ويُعلّقون على مشهدٍ أو تفصيل أو مسألة بدلاً من انتظار انتهاء الفيلم ليفعلوا ما يفعلونه أثناء العرض، والعرض صحافي، أي إنّهم يأتون إليه بسبب الوظيفة.

فهل يزداد "هوس" البعض بمُشاهدة الأفلام في المنزل، بعد وقتٍ (طويل أو قصير) على انحسار الوباء والقضاء عليه؟ هل تستمرّ العزلة المنزلية والمساحات الآمنة والابتعاد الاجتماعي في تحريض هذا البعض على اعتمادها، في علاقته بالمُشاهدة؟ هل ستتغيّر مسالك أناسٍ كثيرين داخل الصالات وأثناء المُشاهدة بحسب طقوسها، أم ستُعزَّز "سلطة" المُشاهدة المنزلية؟

المساهمون