الكتاب السينمائي العراقي: تكاليف باهظة وتوزيع سيئ

الكتاب السينمائي العراقي: تكاليف باهظة وتوزيع سيئ

10 ابريل 2020
أين الكتاب السينمائي العربي؟ (محمود شاهين/Getty)
+ الخط -
صناعة الكتاب في العراق مُعقّدة ومتشابكة، تتداخل فيها أطراف كثيرة، وتؤثّر عليها عوامل عديدة. الكتاب السينمائي يعاني المشكلة نفسها، بزيادة نوع المواضيع التي يتناولها، خاصة بالنسبة إلى القارئ العراقي. فالظروف التي يمرّ بها العراق أجبرت قرّاء عديدين على الانصراف إلى الكتب السياسية والاقتصادية. ومع هذا، لا يزال الكتاب كصناعة يعاني قصور نظر من صنّاعه، ولا يُنظر إليه كما في العالم المتقدّم بوصفه صناعة قومية، يجب وضعها في أولوية الاهتمامات السياسية والاستراتيجية، كالتسلّح والأمن الغذائي، وغيرهما من الملفات الحسّاسة.

ومع الانتعاش الواضح في الأعوام الأخيرة، شهدت حركة الكتاب عامة، والكتاب السينمائي خاصة، انتعاشاً كبيراً في العراق، خصوصاً في مجال الترجمة.

"العربي الجديد" استطلعت آراء مهتمّين بصناعة الكتاب السينمائي في العراق، فقال إيهاب القيسي، مدير "دار المدى للنشر": "ليس هناك فرق بالنسبة إلى أنواع الكتب التي تُنتجها "المدى". فالمسألة أنْ يستحقّ الكتابُ النشرَ، سواء كان سينمائياً أو نوعاً آخر". أضاف: "بشكل عام، الشروط هي نفسها بالنسبة إلى أي كتاب ننشره. لكن المشكلة في نوعية الكتاب السينمائي. نحن في "المدى" نختار عناوين تستهوي القرّاء، ثم المتخصّصين في مجال السينما. غالبية الكتب السينمائية يقترحها مؤلّفوها لتُطبع في الدار، فيتمّ البتّ بها. أما إذا كانت الكتب مُترجمة، تتأكّد "المدى" من حقوق الكتاب، ثمّ يتمّ الاتفاق على أجر الترجمة". وأشار القيسي إلى أنّ "المدى" تعتمد "شراء حقوق التأليف والترجمة".

ولأنّ التسويق أحد الأسباب المهمة في نجاح الخطة الإنتاجية للدار، كما قال القيسي، فإنّ لـ"المدى" مكاتب موّزعة في عواصم عربية عدّة، ومشاركات في المعارض العربية: "هذا سبب نجاح خططنا التسويقية. كتب المدى، ومنها الكتاب السينمائي، تحظى بالتسويق في البلدان العربية، ومتوفّرة دائماً في المكتبات العربية".

من جهته، رأى ياسر عدنان، مدير "دار عدنان للنشر"، أنّ الطلب على الكتب عامة، والكتاب السينمائي والمسرحي خاصة، "متدنٍّ بشكل كبير". سبب ذلك عائدٌ برأيه "إلى عدم وجود شريحة كبيرة من السينمائيين والمختصين بهذا الجانب"، مضيفاً أنّه لو خُيِّر بين الكتب العلمية أو الفلسفية أو التاريخية أو السينمائية، فسيميل، كصاحب دار نشر، إلى العلمي بالتأكيد، "بسبب طلبات السوق". وأشار إلى أنّ مكتبات الجامعات المتخصّصة بالجانب الفني "فقيرة جداً، ولا تطلب إصدارات فنية حديثة أبداً، وغالبيتها لم تُحدَّث منذ أعوام عدّة". وأكّد عدنان أنّ الدار طبعت أكثر من كتاب سينمائي وفني، "لكن، للأسف، أصبحت حبيسة المخازن".



لعلي الطوكي، مدير النشر في "مكتبة درابين الكتب"، رأي مفاده "أنّ المشكلة التي نعانيها كامنةٌ في عدم إمكانية الطبع في العراق لارتفاع التكاليف". سبب ذلك معروف: "يُعاني أصحاب المطابع انقطاع الكهرباء، فيتحمّلون مصاريف المولّدات، والضريبة التي تفرضها الدولة على الورق، ومنع تصدير الكتاب العراقي وتسويقه، خاصة الفني والسينمائي، المطبوع في العراق. لذا، نطبع في بيروت أو مصر، وهناك يتحمّلون مصاريف الشحن".

يضيف الطوكي أنّ ما تحتاج إليه صناعة الكتاب "وجود ناشر مثقف، يجيد اختيار الكتب". بالنسبة إليه، دور نشر عراقية كثيرة "مجرّد دكاكين تجارية، باستثناء المهمّ بينها، كـ"المدى" و"الجمل" و"سطور" و"الرافدين" و"نابو". بعض دور النشر يحاول استغلال المؤلّفين، خاصّة مؤلّفي الكتب الفنية، بجعلهم يدفعون تكاليف الطباعة والشحن. لذا، لا يُدقِّق هذا البعض في نوعية الكتب، طالما أنّه يتقاضى الأجر مُسبقاً".

يُجمع معظم أصحاب دور النشر على أنّ التوزيعَ هو الحلقةُ الأضعف في النشر، وربما يكون مسؤولاً عن مشاكل الحلقات الأخرى، إذْ لا وجود لشبكات توزيع محترفة محلياً (وطنياً)، وطبعاً لا وجود لها عربياً. لهذا الأمر أسباب، إذْ انسحبت الدولة (القطاع العام)، المسيطرة على شبكات التوزيع، ولم تتمكّن الشركات الخاصة الصغيرة من تغطية العجز. بالإضافة إلى ذلك، هناك غياب لقوانين تحكم عملية التوزيع، وتحفظ حقوق الناشر والموزّع.

إذا كان هذا "رأي" أصحاب دور نشر عراقية، فماذا يقول المشتغلون في السينما؟ رأى الباحث مهدي عباس أنّ صناعة الكتاب في الوقت الحاضر، خصوصاً الكتاب السينمائي، تعاني صعوبات عديدة، تحديداً في مسألة النشر: "الدوائر الفنية والسينمائية مُفلسةٌ منذ أعوام، فلا يُطبع أي كتاب سينمائي". أشار إلى تجربة شخصية له مع إدارة مؤسّسة اعتذرت عن طبع سلسلة كتب سنوية أعدّها عن السينما، لعدم وجود مخصّصات مادية: "أما إذا أرسلت كتابك الى "دار الشؤون الثقافية" (دار رسمية)، فعليك أن تنساه، وتنتظر أعواماً. وإذا كان كتاباً من هذه السلسلة يتعلّق بالسينما العراقية، فهذا يعني موت قيمة الكتاب الذي يجب أنْ يصدر في الوقت المحدّد له. لذا، لم يصدر في العراق سوى 6 كتب سينمائية، طبعها مؤلّفوها على نفقتهم".

من جهته، رأى الناقد عدنان حسين أحمد أنّ صناعة الكتاب السينمائي "تتطلّب إلماماً نظرياً بهذه الفنون. لذا، لا غرابة أنْ ترى المُنجز في هذا المضمار ضئيلاً، يقتصر على مجموعة محدودة من النقّاد والباحثين السينمائيين". أضاف أنّ المشاكل التي تواجه صناعة الكتاب السينمائي عديدة، "أوّلها ضآلة عدد قرّاء الكتب السينمائية، قياساً بقرّاء الرواية والشعر والحقول المعرفية الأخرى، التي تروّج لها وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، وتستضيفها معارض الكتب، وتقيم لها الدولة مسابقات كثيرة ومتنوّعة، بينما لم نسمع عن مسابقة للنقد السينمائي، أو جائزة مخصّصة للأبحاث السينمائية". وطالب حسين أحمد المعنيين في وزارة الثقافة "بالترويج لبعض الجوائز لهذا النمط من الكتب والأبحاث السينمائية، كي يصبح الناقد والباحث السينمائي نجماً معروفاً لا يقلّ أهمية عن مُخرج الفيلم أو ممثله أو كاتب قصّته".

وطرح حسين أحمد سبباً للإحجام عن طبع الكتاب السينمائي، بقوله "إنّ القارئ يُمكن أنْ يتذكّر النقّاد جميعهم، من دون أن ينسى أحدهم، لقلّة عددهم ولكثرة ظهورهم في الصفحات السينمائية في صحف ومجلات عراقية وعربية. أما الباحثون السينمائيون فهم أكثر عدداً وأقلّ ظهوراً. النقّاد يُنتجون كتباً سينمائية مقروءة، لأنّها خفيفة الظل، وهي عموماً مراجعات وتحليلات لأفلام وظواهر سينمائية سهلة الهضم، بينما يُنتج الباحثون كتباً سينمائية تنظيرية، تستجيب لمتطلبات البحث العلمي، لكنها تستعصي على القارئ العادي الذي يبحث عن أشياء يسيرة وقابلة للفهم والاستيعاب".

من جهته، قال الناقد والأكاديمي أحمد جبار "إنّ المتابع للثقافة السينمائية يتلمّس شحّ الإصدارات المتعلّقة بنظريات فنّ الفيلم، مقارنة بما تصدره دور النشر الحكومية والأهلية من مصادر تُعنى بآخر تحوّلات الفكر في العلوم الإنسانية والفنون والآداب المجاورة، خاصة أننا في عصر يزداد المنشغلون فيه بالممكنات التعبيرية لهذا الفنّ". أضاف أنّ المُسوغ الذي يطرحه الناشر كامنٌ في "محدودية قرّاء الكتاب السينمائي مقارنة بجمهور الرواية أو النظرية الأدبية"، وهذا المُسوغ لا يزال فاعلاً "حتّى بعد ازدياد عدد المعاهد والجامعات التي تُعنى بتعليم الفنّ السينمائي".

ورأى جبار أنّ دور النشر التابعة للمؤسّسة الرسمية للحكومة العراقية "يقتصر نشرها على مدوّنات على مستوى عالٍ من الهشاشة، باستثناء بعض المصادر القليلة التي هي أساساً رسائل "ماجيستر"، أو أطروحات "دكتوراه"، وهذا لا يُمكن مقارنته بجهد الترجمة، الذي قامت به "المؤسّسة العامة للسينما"، التابعة لوزارة الثقافة السورية، التي أصدرت عدداً من المصادر السينمائية التي أثرت المكتبة، ورصّنت الدرس الأكاديمي، وغيّرت من مسارات التفكير البحثي. كما أنّه لا يُمكن تناسي الدور الكبير لجهود "المركز القومي للترجمة" في مصر، الذي قدّم أهم الموسوعات السينمائية، التي جعلت الباحث العربي ينفتح على إعادة قراءة تاريخ السينما، ونظرياتها واتجاهاتها وأساليبها الفنية، بوعي معاصر".

دلالات

المساهمون