جورج سيدهم: نهاية رحلة طويلة مع الكوميديا والحزن والمرض

جورج سيدهم: نهاية رحلة طويلة مع الكوميديا والحزن والمرض

28 مارس 2020
صارع المرض 23 عاماً (محمد السهيتي/ فرانس برس)
+ الخط -
رحل الفنان المبدع والكوميديان الموهوب جورج سيدهم عن الدنيا مساء يوم الجمعة الماضي، بعد صراع طويل مع الحزن والمرض استمرّ 23 عاماً، بمستشفى "الحياة" بمدينة نصر في القاهرة. عرف سيدهم بدوره البارز في فرقة "ثلاثي أضواء المسرح" التي ضمَّت معه سمير غانم والضيف أحمد، لكنه، بحسب نقّاد كثر، كان أكثرهم موهبة وخفّة ظل. كان الراحل صاحب موهبة فذة، وحياة مليئة بالمفارقات المبكية، فكأنه كُتِبَ عليه أن يقابل الموت مرات عدة وبأشكال مختلفة، فهو الطفل الذي خرج من بطن أمّه صامتاً، ولم يصرخ، فظنّت الداية أنه ولد ميتاً، وأخفته تحت السرير. وكشف سيدهم نفسه هذا الأمر خلال لقائه مع الإعلامي، طارق حبيب، في برنامج "اثنين على الهواء"، بأن ولادته كانت عثرة، وولد صامتاً دون حراك، فظنت القابلة (الداية) أنه ميت، ووضعته تحت الفراش، ثم دخلت إحدى الجارات إلى الغرفة، ولمّا علمت بالأمر، قامت الجارة بشقّ بصلة، ومرّرتها تحت أنفه، فما كان إلا أن صرخ، بحسب تعبيره.

عانى سيدهم كثيراً بعد وفاة صديقه الأقرب، الضيف أحمد، والذي خطفه الموت في ريعان شبابه وعز نجوميته. ولم يتجاوز صدمة رحيل صديقه المقرّب إلا بعد وقت طويل، ووقتها قال إنه برحيل الضيف جزء من روحه قد ماتت أيضاً. وعانى سيدهم أيضًا من صدمة الخيانة والغدر من أقرب إنسان إليه، وهو شقيقه الذي استولى على كل أمواله، وهرب إلى خارج مصر. فأصيب سيدهم إثر ذلك بجلطة دماغية جعلته يعاني من شلل وعدم قدرة على النطق، بحسب رواية صديقه المقرب سمير غانم في أحد البرامج التلفزيونية، إذْ كشف أنّ صديقه الفنان جورج سيدهم "أصيب بجلطة شديدة، ونُقل إلى أحد مستشفيات مدينة نصر، وأن السبب يرجع إلى صدمته في شقيقه أمير الذي أخذ أموال الفرقة التي كان يعمل بها، وهاجر إلى أميركا بجميع الأموال".

وهب سيدهم المتعة لكثيرين منا، وعلى مدار أجيال مختلفة، من خلال أعمال شديدة التميز وشخصيات لا تزال محفورة في الوجدان، سواء في المسرح أو السينما أو التلفزيون. كذلك قام بأداء جمل حوارية وصور كوميدية، نردد كثيراً منها حتى الآن، ومنها جملة "أنا قريت في مجلة أجنبية"، إضافة إلى "الاسكتشات" والفوازير التي قدمها من خلال فرقة "ثلاثي أضواء المسرح" مع سمير والضيف. لكن في المقابل، لم تكن حياته إلا سلسلة من العذابات والمفارقات المحزنة، ولم تهوِّن عليه المحن وصعوبة الحياة إلا زوجته ليندا التي لازمته طوال فترة مرضه، وحتى لحظاته الأخيرة، رغم أن سيدهم كان يروي أن الزواج "نظام اجتماعي فاشل"، لكنَّ علاقته بليندا غيرت كثيراً من قناعاته. ومن المفارقات أيضاً أن عشّاقه لن يستطيعوا وداعه، إذْ لن تتمكن أسرته من إقامة مراسم عزاء له، وستقتصِر الجنازة على أفراد العائلة فقط، بسبب الإجراءات الاحترازية التي اتّخذتها الكنيسة المصريّة بسبب وباء كورونا.
نجح الفنان جورج سيدهم في لفت أنظار المخرجين والجمهور من خلال مشاركته مع فرقة "ثلاثي أضواء المسرح" إلى جانب الأعمال المسرحية التي برع من خلال مشاركته فيها، وذلك لما تميز به من صفات جسدية تتسم بالبدانة، وساعدته على تجسيد الأدوار الكوميدية، إلى جانب براءة ملامحه، الأمر الذي جعله يدخل إلى قلب كل من يراه، مع وجود طاغٍ لخفة الظل وسرعة البديهة في إلقاء الإفيهات والنكات الفنية. قدم سيدهم أكثر من 100 عمل فني، سواء بمفرده أو مع فرقة "ثلاثي أضواء المسرح" على مستوى السينما والتلفزيون والمسرح والإذاعة.



ولد سيدهم في محافظة سوهاج بصعيد مصر في 28 مايو/ أيار 1938، وحصل على بكالوريوس الزراعة بجامعة عين شمس في عام 1961 مثله مثل غيره من الموهوبين من حملة شهادة الزراعة، كعادل إمام وصلاح السعدني والمخرج محمد فاضل. تلقى سيدهم تعليمه الابتدائي في بلدته، ثم انتقل مع أسرته في مرحلة الإعدادية إلى القاهرة، ليدخل كلية الزراعة، وينضم إلى فريق التمثيل ويترأس فرقة المسرح بالجامعة، وليتخرج فيها عام 1961، وهو العام الذي تعرف فيه إلى الفنان سمير غانم والفنان الضيف أحمد، وقرروا إنشاء فرقة "ثلاثي أضواء المسرح"، والتي شاركت في العديد من الأعمال الفنية على مستوى السينما والتليفزيون والمسرح والإذاعة، إلى جانب الفقرات الفنية والغنائية التي كانت تقدمها الفرقة منفردة بعيداً عن الأعمال الدرامية.



يعود السبب في العلاقة التي جمعت بين سيدهم وغانم والضيف إلى فوز فريق مسرح الجامعة الذي ترأسه سيدهم بكأس الجامعات في مجال التمثيل المسرحي عام 1961 وهو العام التالي لفوز الضيف أحمد بنفس الجائزة التي سبقهم إليها سمير غانم بعام، فحصل الضيف على الجائزة نفسها عام 1960 وحصل عليها سمير غانم في عام 1959، وهو ما كان سبباً في تعارفهم وتقاربهم وسعيهم لإنشاء فرقة "ثلاثي أضواء المسرح" التي استمرَّت في تقديم عروضها الفنية حتى عام 1970. وهو العام الذي رحل فيه الفنان الضيف أحمد، واستمر الثنائي سيدهم وغانم في التعاون معاً، وتقديم بعض الأعمال الفنية المشتركة بينهما، عقب رحيل الضيف أحمد، فقدموا أشهر أعمالهم المسرحية "المتزوجون"، إلى جانب بعض الأفلام التي شاركوا فيها مثل "البعض يذهب للمأذون مرتين" و"ممنوع في ليلة الدخلة".

دلالات

المساهمون