لمواجهة كورونا: أفلام عبر "إنترنت"

لمواجهة كورونا: أفلام عبر "إنترنت"

20 مارس 2020
هادي زكّاك: "يا عمري" (الملف الصحافي للمخرج)
+ الخط -
تستحقّ التجربة مقاربة هادئة، رغم قسوة الظروف التي تحيط بها، أو التي تُسبِّبها. تفشّي فيروس كورونا بسرعةٍ هائلة في دولٍ كثيرة، منذ 31 ديسمبر/ كانون الأول 2019، دافعٌ إلى ابتكار أنماطٍ عديدة لمتابعة عيشٍ، وإنْ يكن العيش محفوفاً بمخاطر وتحدّيات. "المركز الوطني للسينما والصورة المتحرّكة" في فرنسا يسعى إلى إيجاد "حلٍّ قانوني" لعرض الأفلام الجديدة عبر شبكة "إنترنت". العائق الأبرز؟ لا إمكانية لذلك قبل مرور 4 أشهر على العرض التجاري. لكنّ الظروف تستدعي مَخرَجاً قانونياً، يعمل المركز عليه. في بيروت، المسألة مختلفة تماماً. هناك من يعرض مجّاناً فيلماً أخيراً له عبر تقنية Vimeo، لفترة قصيرة.

احتواء كورونا خطوة أولى وأساسية للتمكّن من ضبط انتشاره، تمهيداً لاكتشاف علاجٍ منّه. هذا يتطلّب عزلة في المنازل، والعزلة تحتاج إلى دعم، بعضه فنيّ وثقافي. سينمائيون يساهمون في تمتين الدعم، فيُقدّمون أفلاماً لهم إلى من يرغب من المنعزلين في منازلهم، مع إنتاجاتٍ مُثيرة للانتباه والمشاهدة والتأمّل. التونسي مهدي برصاوي يوافق على عرض فيلمه الأخير "بيك نعيش" (2019) عبر "إنترنت"، بحسب اقتراح "المركز الوطني". اللبنانيان إليان الراهب وهادي زكّاك يبدآن عرض فيلميهما الأخيرين عبر Vimeo.

لن يكون الأمر سهلاً. مُشاهدة أفلامٍ غير معنية بالكوميديا والتسلية والترفيه، في زمن الحصار والخوف والقلاقل، صعبةٌ. لكن الاختبار جميل، والتجربة تستحق خوضها، وإنْ تكن بدايتها اللبنانية (أتنتقل التجربة إلى دول عربية أخرى؟) عفوية. الراهب وزكّاك يُتيحان لمن يرغب فرصةَ مشاهدة "ميّل يا غزيّل" (2016) و"يا عمري" (2016)، اللذين يمتلكان حساسية واقع، وجمالية معالجة، وجاذبية متابعة، وحيوية اشتغال وثائقي، يميل إلى السينمائي في اعتماده لغة توثيق مفتوح على أسئلة الحياة والعيش والانتماء والتاريخ والراهن، أو يذهب إلى الحميميّ الذاتي البحت، المنبثق من علاقة المخرج بجدّته.

فيلم الراهب (ميِّل يا غزيّل) يتوغّل في أحوال بلد، براهنه وتاريخه وتبدّلاته وانشقاقاته ومتاهاته، وارتباكات ناسه وانفعالاتهم وعيشهم. فيلم زكّاك (يا عمري) يستعين بتاريخ امرأة وذاكرتها لتوثيق لحظاتٍ من عمرٍ مديد لها (تجاوز المئة قبل وفاتها في المراحل الأخيرة من تصوير الفيلم). الأول يلتقط نبضَ حياةٍ لأناسٍ غير متمكّنين من حسم صراعاتهم الداخلية، ونزاعاتهم مع الآخرين. الثاني يرتاح إلى انعدام المسافات بين أجيال وحكايات، ليرنو إلى ذاكرة، أو ليصنع من الذاكرة حكاية لحظةٍ تتوارى في الغياب.

"بيك نعيش" محاولة سينمائية لكشف الرابط بين ذاكرة وراهنٍ بعد "ثورة الياسمين" (2010)، عبر حكاية زوجين يجدان نفسيهما، رفقة ابنهما الوحيد، بين نيران إرهابيين وجنودٍ تونسيين يُطاردونهم، فيُصاب الابن برصاص، يستوجب نقله فوراً إلى المشفى. هذا كافٍ لاستعادة ماضٍ وقراءة حاضر وتفكيك أحوال وانفعالات، في مرحلة تبدّلات حادّة يعيشها الفرد، وتعاني الجماعة تأثيراتها المختلفة.

هذه نماذج. التجربة اللبنانية متواضعة. هناك رغبة في جعلها تجربة عربية أيضاً. فهي تستحق التطوير والمتابعة.

دلالات

المساهمون