إبراهيم حمودة... استعادة سيرة هادئة

إبراهيم حمودة... استعادة سيرة هادئة

24 فبراير 2020
إبراهيم حمودة هو أحد أوائل مطربي السينما والإذاعة (فيسبوك)
+ الخط -
تبدو سيرة الفنان المصري إبراهيم حمودة منسية تماماً عند سرد تاريخ الغناء في السينما والإذاعة في مصر. ولعلّ هذا الظلم امتداد للتهميش الذي عاشه بشكل متقطّع خلال مسيرته. إبراهيم حمودة واحد من أوائل مطربي السينما والإذاعة، صاحب صوت من أهم الأصوات في فترة الثلاثينيات والأربعينيات. لم يشتهر بشكل يتناسب مع موهبته، رغم غنائه مجموعة من الأعمال الناجحة، ومشاركته في أول دويتو لأم كلثوم في فيلم "عايدة". ولد حمودة في باب الشعرية في القاهرة عام 1913، وتعلّم الغناء عن طريق والده المنشد في جامع الخازندار وعاش بين 16 شقيقاً وشقيقة. حبه للموسيقى والغناء، دفع "المونولوجيست" محمد البربري ليعرض عليه العمل عند منيرة المهدية. وهو ما حدث بالفعل. أتت منيرة المهدية شخصياً لتقابل إبراهيم حمودة، وأعجبت بصوته وعرضت عليه العمل معها. لكن الشاب رفض بسبب سعيه لإكمال دراسته. هل استسلمت منيرة التي اشتهرت بعنادها وقوة شخصيتها؟ طبعاً لا. عرضت عليه مبلغ 9 جنيهات في الشهر، وقد كان مبلغاً كبيراً وقتها، فوافق، رغم غضب والده الذي طرده من البيت.

خلال عمله مع منيرة المهدية، بدأت شهرة إبراهيم حمودة، حتى وصلت إلى بديعة مصابني. كانت هذه الأخيرة، منتصف الثلاثينيات، تقدّم أهم الاستعراضات والاسكتشات الفنية، وتعمل مع أشهر المغنين والراقصات في الوسط الفني، من محمد عبد المطلب، ومحمد سلامة، ومحمود الشريف، وفريد غصن، وفريد الأطرش، وتحية كاريوكا، وإسماعيل يس. في صالة بديعة مصابني بدأ الغناء، وقدّم أغنيته "يالي عشقتك في الخيال" من ألحان فريد غصن على إيقاع رومبا، لتصبح الأغنية الأولى في الصالة، وليجد إبراهيم حمودة نفسه في شكل وثوب جديدين مع الإيقاعات الغربية. ذلك النجاح دفع المخرج يوسف وهبي لدعوته إلى أداء أغنية في فيلم الدفاع (1935).

انطلق إبراهيم في تلك الفترة بين صالة بديعة مصابني والأفراح والسينما، ليكون واحداً من أوائل المطربين عملاً في السينما، وهو ما جعله خياراً مثالياً للوقوف أمام أم كلثوم في فيلم "عايدة" (1942)، ليكون الوحيد الذي شارك "كوكب الغناء" في دويتو. هل كان صوته العذب هو سبب اختياره فقط؟ من يعرف أم كلثوم يعرف أن سبباً آخر يمكن أن يكون خلف خيارها هذا. فبرأي البعض، شخصية إبراهيم حمودة كانت ضعيفة، وحضوره خجول، وبالتالي كان يستحيل أن يسرق الأضواء منها.

بعدها انطلق إبراهيم للعمل في السينما فظهر في أفلام عدة خلال الأربعينيات والخمسينيات. وتشارك الغناء مع أغلب مطربات تلك الفترة، وكانت على رأسهنّ ليلى مراد في أغنية "الوداع"، وأغنية "اديني اهو جيتك بدري" مع حورية حسن و"النجوم الساهرة" مع فاطمة علي. وغنّى أيضاً مع مطربين مثل محمد رشدي، ومحمود شكوكو، فكانت فترة الأربعينيات هي الفترة الأهم والأنجح في مشواره الغنائي والسينمائي. وغنى إبراهيم حمودة أغلب القوالب الغنائية، فكان قادراً على غناء القصيدة والطقطوقة والغناء المسرحي. كذلك قدّم مسرحية شهرزاد وغنى أعمال سيد درويش، وغنى "يا ليت للبراق عينا" مع محمد القصبجي، وهي الأغنية التي اشتهرت فيما بعد بصوت أسمهان. وتمكّن في تلك الفترة من فرض نفسه في العمل مع أغلب الملحنين، فكان صوته مثالياً لطريقة الغناء في تلك الفترة، أي ما قبل ثورة 1952.

مع ثورة 1952، وتغيّر شكل وطريقة الغناء في مصر، وبدء مرحلة جديدة، حاول فيها إبراهيم تقديم فروض الولاء من الغناء الوطني والثوري والغناء للمقاومة وقت العدوان الثلاثي، لكن متطلبات المرحلة اختلفت، وكان حمودة لا يملك أغلبها. مثل أن يكون صوته ذا بصمة فنية واضحة، ليس صوتاً جميلاً فقط، أن يكون ممثلاً جيداً، وبالطبع أن يكون قادراً على الاقتراب من السلطة والحفاظ على مكانته الفنية. هنا بدأ تدريجياً في الابتعاد عن السينما والتركيز على الإذاعة، وتقديم الأعمال الإذاعية الناجحة في تلك الفترة.

وشارك إبراهيم حمودة في "الليلة الكبيرة" مع نخبة من المطربين في ذلك الوقت، رغم عدم معرفة أغلب الناس أصوات المشاركين في ذلك العرض، ليبدأ بعدها بالابتعاد عن الأضواء. بدا إبراهيم حمودة وقتها مكتفياً من النجاح والشهرة، خصوصاً مع تعرضه لحادث كبير جعله يقرر الاعتزال نهائياً في منتصف الستينيات.

دلالات

المساهمون