"سوق النجارين" في صيدا... عالَمٌ من خشب

"سوق النجارين" في صيدا... عالَمٌ من خشب

21 فبراير 2020
أبواب خشبية يلوّنها "الكرز" مع حجارة أثرية (العربي الجديد)
+ الخط -
كونها حرفة يدوية قديمة هناك، تعتمد النجارة في سوق النجارين بمدينة صيدا (جنوب لبنان) على آلات بدائية إلى حد ما، بالرغم من إدخال التقنيات الحديثة إلى هذه الحرفة.
في داخل السوق القديم لمدينة صيدا، يقع "سوق النجّارين". كل زاوية تحكي قصة حرفة عبرت من هنا، بعضها اندثر وبعض منها يقاوم الاندثار. كان السوق مزدهراً في زمن العثمانيين والفرنسيين، حتى نكبة فلسطين وإقفال المعابر التجارية بين لبنان والبلد المُحتل.
يتوارث النجارون هذه المهنة منذ أكثر من مائة وخمسين عاماً، ويتناقلونها من جيل إلى جيل، حيث يعتبرونها فناً مغايراً عن باقي الفنون. داخل سوق النجارين، تمتزج أصوات أدوات النجارين بموسيقى أغاني أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وسيد مكاوي.

داخل السوق تنتشر المحال التي تعرض المنتوجات الخشبية المصنوعة يدوياً بدقة، من قباقيب للزينة والحمام والكراسي الخشبية القديمة، وسرعان ما تتعثر نظراتك بـ "طبليات" قديمة ومناخل العجين والزعتر وطابع المعمول (كعك العيد)، وشوبك العجين، ومدقات وأجران الثوم، و"طبالي" للعجين، وتلك الكراسي التي تسرق انتباهك لحجمها الصغير ولجمالية نقشها وتطريزها.

من يزور السوق، الذي يمتد من مدخل كنيسة الروم الأرثوذكس "مار نقولا" شرقاً إلى سوق الحيّاكين غرباً، ينبهر بتفاصيل المشهد، أبواب خشبية يلوّنها "الكرز" تتكامل مع حجارة أثرية وقناطر وشبابيك، تتوسّطها محال تجارية، وقد توحدت في أبوابها ونقشها ولونها، وقد تألق بشكله الحالي بعدما تم ترميمه من قبل "جمعية محمد زيدان لإنماء صيدا" بالتعاون مع بلدية المدينة، وكأنه قطعة فُسيفسائية معتقة بالألوان، ما أعطى السوق مكانة مميزة.

وعلى رغم من جمالية هذه الحرفة، إلا أن النجارين باتوا يخشون عليها من الانقراض، خاصة في ظل انتشار ورواج الأدوات البلاستيكية المستوردة، وباتت منتوجاتهم للفرجة أكثر من كونها منتوجات للاقتناء في البيوت، وصارت مقصداً للسيّاح الذين يلتقطون الصور فقط، بعد كان السوق مقصداً بهدف شراء ما يتم صناعته من حرف خشبية، وكان الزبائن في الماضي يحجزون مسبقاً لتأمين طلبياتهم من هذه الحرف.
يرى عدد من النجارين أنه في ظل التكنولوجيا المتعددة، فإن جيل الشباب يرى الحرفة تقليدية وقديمة لا تتماشى مع طموحاته ولا تؤمّن له قوت يومه، لذلك يحجم عن دخول معتركها، ولكنهم مستمرون في الحفاظ على المهنة وهذا التراث الصيداوي الذي ورثوه عن الآباء والأجداد.

المساهمون