مسلسل "كارنيفال رو": فانتازيا قارب وصل إلى الشمال

مسلسل "كارنيفال رو": فانتازيا قارب وصل إلى الشمال

19 فبراير 2020
قصص يمكن أن تكون عن رواندا أو سورية (IMDb)
+ الخط -
يقدّم مسلسل Carnival Row "كارنيفال رو"، مجازاً سياسياً للصراعات الراهنة بصيغة الماضي مع لمسة من الخيال. في عالمين منفصلين، نرى عالم الجنيات والكائنات التي هي عبارة عن أنصاف بشر وأنصاف حيوانات. وفي العالم المقابل، يعيش البشر في عصر يحملنا نحو الفترة الفكتورية. يقود الصراع بين دولتي البرغ Burgue ودولة الباكت Pact على دولة ثالثة هي الـAnoun التي تعيش فيها المخلوقات الخيالية، إلى انسحاب دولة البرغ، ما يؤدي إلى ترك تلك المخلوقات لمواجهة مصيرها، الذي يتحكم به عنف دولة الباكت التي تقتل وتشرد مخلوقات عالم أنون.

يهرب من يستطيع النجاة ليطلب الأمان في بلاد البرغ، بينما يغرق بعضهم في قوارب الموت التي تحمل اللاجئين بطرق غير شرعية. من يتمكن من النجاة ويصل إلى شواطئ دولة البرغ، عليه أن يعاني للحصول على الأوراق الشرعية. في بلاد البرغ، التي تملك القوة والسلطة، يصبح اللاجئون القادمون من عالم الجنيات وأنصاف البشر والحيوانات عرضة للتمييز والإساءة.

يشكل هذا التقديم العام للأحداث الإطار الذي نتابع ضمنه قصة حب تجمع جنية اسمها فنيت تقوم بتقديم دورها Cara Delevigne مع أحد مواطني دولة البرغ الذي يعمل محققاً، واسمه فايلوسترات، الذي يقوم بدوره الممثل Orlando Bloom. في أجواء بوليسية تشبه أجواء قصة القاتل المتسلسل الشهير جاك ذا ريبر، يحاول فايلوسترات حل لغز الجرائم التي تستهدف قوم الأنون اللاجئين، إذ تهملها سياسات الحكومة التي تتعامل معهم ككائنات من درجة ثانية بالنسبة لسكان البرغ. ضمن هذه الحبكة، يرسم المسلسل تفاصيل محزنة لواقع حياة اللاجئين في دولة البرغ.

ينجح المسلسل بتجنب إظهار اللاجئين كضحايا مجردة من الطاقة والرغبات والأحلام، كما يتفادى تصويرهم كشياطين يسعون إلى نشر الفوضى في وطن اللجوء. يقدم المسلسل اللاجئين من عالم الجنيات ككائنات يحمل كل منها حلمه وتصوره الخاص للحياة.

في بلاد البرغ التي يحكمها نظام تراتبي يضع الحكام والسياسيين والأغنياء في أعلى الهرم، يعاني سكان المدينة، كالنساء، من التهميش. فابنة حاكم حزب المعارضة تعاني من التهميش والإقامة الجبرية في المنزل، بالرغم من ثروة والدها. ينطبق هذا على النساء من الطبقات الاجتماعية الأدنى؛ فمدبرة المنزل الأرملة تتعرض إلى تنمر أحد النزلاء الذي يهددها بكشف علاقتها الجنسية، فبالرغم من كونها بشرية كبقية قوم البرغ، إلا أنها تتعرض للتمييز لكونها امرأة.


يشمل هذا النظام التراتبي بالضرورة تصنيف اللاجئين وكائنات الأنون في أدنى السلم الاجتماعي. ضمن هذا الظرف، تسعى هذه الكائنات لتحدي مصائرها. فمن هؤلاء من يدفعه العنف والتمييز ضده للالتحاق بصفوف المتطرفين دينياً، ومنهم من يرضى بمصيره ويعمل في خدمة قوم البرغ. يتم استغلال نساء الأنون الجنيات الجميلات والصغيرات في الدعارة. إحدى الجنيات العاملات في منزل دعارة، كانت يوماً في وطنها الأم شاعرة في البلاط الملكي. كما يبين المسلسل أن إحدى الجنيات اللواتي يقعن ضحية القاتل المتسلسل التي تهمل الشرطة البحث عن قاتلها، كانت مغنية مشهورة في وطنها الأصلي. يغوص المسلسل في ماضي هذه المخلوقات التي تمتلك تاريخاً وحضارة غنية ومكتبات نراها في ما بعد تقع تحت حوزة قوم البرغ الذين يتعاملون معها باستعلاء وجهل بقيمتها. في حوار يجمع المحقق مع أحد الجنود حول حضارة الأنون، يهزأ الجندي الـ"برغي" من تأخر حضارة الأنون لعدم امتلاكها تطوراً صناعياً كدولة البرغ، فيرد فايلوسترات مدافعاً عن حضارة الأنون "ربما كانت أولوياتهم مختلفة، فلهم اهتمامات أخرى تدل على إبداعهم".

ما يبرع فيه مسلسل Carnival Row هو قدرته على أنسنة الآخر، وتجنب اختصاره ضمن معايير معينة تلغي فرادته. فقوم الأنون لم يأتوا إلى بلاد البرغ طمعاً فيها، بل طلباً للنجاة من الحرب، فلكل منهم ماض جميل كان مشغولاً بتحقيق أحلامه فيه. حتى عند رسم تطرف مجموعة دينية من الأنون، يقوم المسلسل بهذا التقديم بحذر من خلال عدم تجاهل الظروف التي أدت إلى دفع بعضهم لهذه الحالة.

يبين المسلسل حاجة بلاد البرغ التي تعاني من فقر وفساد سياسي لتوحد صفوف السياسيين من المعارضة والفئة الحاكمة. لذا يعمل الحزبان على الوحدة من خلال خلق عدو خارجي يساعدهما بتثبيت حكمهما، وذلك من خلال بث حالة من الخوف من اللاجئين. تصف الفئة الحاكمة اللاجئين من بلاد الأنون بالطفيليين القادمين لسرقة وظائف وأموال الحكومة، وتعمل لشن الحرب ضدهم.

يظهر فريق العمل تفاعله مع نص المسلسل، فيبين الممثلان أورلاندو بلوم وكارا ديلفين رغبتهما بالعمل على قضية المهاجرين واللجوء في أوروبا من خلال تقديم فنتازيا تسمح للمشاهد بالحياد في التعاطي مع هذه القضية. كما توضح ديلفين اهتمامها بالعمل في مسلسل Carnival Row وذلك لعملها سابقاً مع اللاجئين من السودان ومعرفتها بصعوبة حصولهم على اللجوء، لذا رأت أهمية خلق هذا العالم السحري من الخيال لتقديم واقع الآخر التعيس من دون الوقوع في المباشرة. يضيف الممثل دايفيد غياسي، عند قراءته لنص المسلسل وبعد أشهر من متابعة صور الأطفال السوريين الغرقى على شواطئ أوروبا، أنه شعر بارتباط هذا المسلسل بواقعنا وبمحاكاته لقصص يمكن أن تكون عن رواندا أو كوسوفو أو أي من الدول التي تتعرض لحروب شرسة.

يستطيع المسلسل الذي يتناول قضايا المبعدين والمهمشين، من خلال وصفة معبأة بالخيال، التعامل مع هذا البعد بحساسية دون فجاجة. ويبين نجاح الفنتازيا بمعالجة قضايا شائكة، مثل قضية المهاجرين والعنف والعنصرية، دون التقليل من أهمية هذه القضايا. يساهم مسلسل Carnival Row بأنسنة المهاجرين، خاصة بعد أحداث كبرى عشناها، مثل الـBrexit، التي برزت فيها أسئلة محورية حول المهاجرين والعلاقة مع الآخر، من خلال دفعنا لرؤية قصصهم عبر خلق شخصيات خيالية محببة. يأتي هذا ضمن حالة من التشويق تدفعنا لمتابعة المسلسل لمعرفة مصير أبطاله، في جو من جمال الصورة والأزياء والأشكال المميزة لكائنات الأنون. غالباً ما تدفعنا للإحباط الصور النمطية التي نراها في بعض المسلسلات والأفلام التي تقدم اللاجئين بصورة الآخر غير المرغوب. لكن على العكس من هذا يأتي مسلسل Carnival Row الذي تبثه Amazon Prime محملاً بطاقة إبداعية تتحدى التنميط. 

المساهمون