فضيحة "فوكس" سينمائياً... قضية كبيرة ومعالجة باهتة

فضيحة "فوكس" سينمائياً... قضية كبيرة ومعالجة باهتة

16 فبراير 2020
نيكول كيدمان في مشهد من الفيلم (فيسبوك)
+ الخط -
في يوليو/ حزيران 2016، تقدّمت مذيعة قناة "فوكس نيوز" غريتشن كارلسون بدعوى قضائية ضد رئيس الشبكة روجر آيلز، تتّهمه فيها بالتحرّش واستغلال نفوذه ومنصبه للانتفاع الجنسي. والدعوة أقيمت في لحظة غليان نسوي ومجتمعي، بانضمام 22 سيدة أخرى، يعملن أو سبق لهن العمل في "فوكس"، إلى كارلسون، ما أدّى إلى استقالة آيلز، وسعي "فوكس" إلى تسوية معهنّ جميعاً، أفضت إلى دفع المحطة تعويضات لهنّ بلغت 90 مليون دولار أميركي.

اجتماعياً، ساهم انتصار موظّفات "فوكس نيوز" ومذيعاتها في ظهور قضايا أخرى، كفضيحة المنتج الأميركي هارفي وينستين مع ممثلات هوليوود، ثم انطلاق حملة "مي تو"، التي تُشجّع النساء اللواتي تعرّضن للتحرّش على سرد رواياتهنّ، مهما كان نفوذ المنتهكين وسلطاتهم قوية.

فيلم Bombshell لجاي روش، الفائز بجائزة أفضل ماكياج نالتها كازو هيرو وآن مورغان وفيفيان بايكر، يسرد أحداث تلك الفترة في "فوكس نيوز"، منذ بداية القضية حتّى الاستقالة النهائية، عبر بطلاته الثلاث: غريتشن كارلسون (نيكول كيدمان)؛ وميغان كيلي (تشارليز ثيرون)، المذيعة المشهورة والأساسية في المحطة، التي يسرد الفيلم صدامها مع المرشّح الرئاسي (زمن الفيلم) دونالد ترامب، وتأثير ذلك على حياتها، وانضمامها اللاحق إلى كارلسون في دعواها؛ وكايلا بوسبيسيل (مارغو روبي)، وهي شخصية درامية خيالية، تمثّل النساء المتعرّضات للانتهاك والتحرّش، ويتناول الفيلم بداية مسيرتها في "فوكس"، وعلاقتها بآيلز، وتعرّضها للتحرّش والضغوط من أجل الجنس.

بعد الوثائقي Untouchable لأورسولا ماكفرلين، المعروض قبل أشهر عدّة، والذي تناول فضيحة وينستين، يُطرح سؤال: في ظلّ أهمية المادة الفيلمية، ومقدار تأثيرها في دعم وانتشار قضية حاضرة، كالتحرّش الجنسي واستغلال الذكور لنفوذهم في انتهاك النساء، هل يجب أنْ يؤثّر هذا الاتفاق الأخلاقي مع مسعى الفيلم ورسالته في تلقّيه كعمل فني؟ ربما ينبغي التأكيد أولاً على أهمية هذا، وعلى أنّ دعم النساء، للتحدّث عمّا تعرّضن له عقوداً طويلة في أعمالٍ يُديرها الرجال ويسيطرون عليها، مطلوب، وعلى أنّ قضية كـ"فوكس نيوز"، وإنْ كانت معروفة بشكل واسع، فإنّ تناولها في فيلمٍ هوليوودي، تمثّل فيه 3 ممثلات نجمات، يجعلها تنتشر بشكلٍ مُضاعف، وبين أشخاص عاديين.
 لكن المزعج جداً، في فيلمٍ روائي لا وثائقي، أنّ Bombshell لا يتقدّم أيّ خطوة إلى الأمام، بعيداً عن الأحداث الحقيقية: لا يتابع الحياة الشخصية لكلّ بطلة إلا بشكلٍ عابر تماماً، ولا تُعرف كيفية تأثير القضية عليهنّ بما هو أبعد من المنشور حينها إعلامياً، بدل أنْ يتمادى الفيلم، كعمل درامي، في البعد النفسي لكارلسون مثلاً، وسبب إعلانها قضية التحرّش، بعد فصلها من "فوكس"، لا قبل ذلك، والدوافع التي أدّت بها إلى هذا القرار، بعد أعوامٍ طويلة من العمل مع آيلز.

لا يطرح السيناريو أي سؤال إشكالي، ويمرّ على الدراما بشكلٍ مسطّح، ويكتفي بجعل بطلاته الثلاث إما ضحايا أو بطلات، ولا شيء أبداً بينهما. أما آيلز، فشخص ضخم وعجوز وقبيح وفجّ، مع صورة شيطانية لشخصٍ متحرّش، بينما الأمور في الحياة أعقد، وشخص له هذا القدر من التأثير، إلى درجة أنّه مستشار إعلامي لرؤساء أميركيين سابقين، لا بُدّ أنّ له سبباً أكبر من إجبار مذيعات على ارتداء فساتين قصيرة في إطلالاتهنّ المباشرة على الهواء، ومن أنْ يأمر المُصوّر بتوسيع اللقطة للتلصّص على سيقانهنّ، كما في مشهد. لكنّ الفيلم ينحاز إلى رؤية مسطّحة جداً عن الحدث والشخصيات. ولعلّ الأداء الممتاز لمارغو روبي تحديداً، وتجسيدها الصادق لحظات الانتهاك والحيرة، أنقذا الفيلم. لكن، لا شيء آخر فيه، إلاّ حمله لواء قضية كبيرة وحاضرة، يستفيد منها أكثر مما يُفيدها.

المساهمون