اليشماغ العراقي... الوقار والثورة

اليشماغ العراقي... الوقار والثورة

16 فبراير 2020
السومريون هم أول من ابتكر اليشماغ (فيسبوك)
+ الخط -
ظل ارتداء اليشماغ (غطاءٌ يوضع على الرأس بطريقة معينة) تقليداً معروفاً في مدن العراق، وهو يضفي على الرجال صفات الهيبة والوقار والاحترام. وظلَّ مقترناً بالرجال كبار السن، إلا أن الانتفاضة العراقية التي انطلقت نهاية العام الماضي أحيت اليشماغ، وبات شكلاً من أشكال الاحتجاج، ولا سيما أن النساء دخلْن على خط ارتدائه، ولم يعد حكراً على الرجال.

وفي العراق نوعان من اليشماغ، وهو الأبيض المطرز بدوائر سوداء متشابكة، عرفه العراقيون في الجنوب، والآخر الأبيض المطرز بالأحمر، وهو منتشر أيضاً في مناطق شمال البلاد وغربها. وما إن يمرّ أحدٌ بساحة التحرير في بغداد أو ساحات الاحتجاج الأخرى في وسط العراق وجنوبه، حتى يلحظ أنَّ المنتفضين بغالبيتهم يرتدون اليشماغ، سواء بشكل ملفوف على الرقبة، أو بشدِّه على الرأس على طريقة "الجراوية" العراقية.

وبالعودة إلى التاريخ، فإن السومريين هم أول من ابتكره. وأعدَّ الكهنة نقوشه السود تعويذة، إذْ كانوا يضعون على رؤوسهم، وفوق القماش الأبيض الذي يغطيهم، شبكة سوداء مصنوعة من صوف الأغنام، كشبكة صيد السمك، وذلك لترمز إلى موسم الخير والتكاثر. ولهذه الشبكة مفاهيم تتعلق بطرد الأرواح الشريرة. وقد ظهر كثيراً في تماثيل العديد من حكام دولة سومر القديمة باليشماغ، ولعل أشهرهم تمثال الحاكم كوديا. وذكرت قواميس اللغة المسمارية، أن أصل كلمة يشماغ مكون من مقطعين في اللغة السومرية، من "آش ماخ" وتعني غطاء رأس عظيم، أو "آش ساخ" أي غطاء الكاهن العظيم. وبقي اليشماغ مادة عراقية بحتة، ومرَّ بمراحل كثيرة ليصل إلى ما هو عليه الآن.

في ذات السياق، قال المتظاهر والناشط من بغداد عبد الرحمن الغزالي، إن "اليشماغ لم يكن أثره واستخدامه في الأيام الباردة فقط، والمتظاهرون يستخدمونه منذ انطلاق الحراك الشعبي في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، لرمزيته العراقية والثورية التي تُستمدُّ بالدرجة الأولى من صورة الشعب الفلسطيني ضد الكيان الصهيوني"، موضحاً لـ"العربي الجديد"، أن "الشباب الذي يتظاهر حالياً، يريد استعادة كل ما سلبه منهم الإهمال الحكومي والتقصير الإداري. وإن عودة اليشماغ للظهور مرة أخرى، دليل على أهمية الموروث العراقي وإعادة الحياة إليه، فضلاً عن كونه يحمي المتظاهرين من قنابل الدخان التي تطلقها قوات الأمن على المحتجين".

من جهته، قال الصحافي والمراقب للشأن العراقي حسين العطية، إن "الارتباط باليشماغ العراقي ليس جديداً، فهو الغطاء الذي كان يرتديه العراقيون منذ سومر وأكاد"، مبيناً لـ"العربي الجديد" أن "استخدام اليشماغ، أخيراً، في التظاهرات العراقية، هو للتعبير عن عراقية المتظاهر، وهو يشكّل أيضاً غطاءً للحماية من الدخان المستخدم ضد المتظاهرين، وأحياناً في تغطية الوجه، نظراً للتهديدات التي طاولت عدداً كبيراً من المتظاهرين". وتابع: "الملاحظ أن اليشماغ العراقي ظهر أمام اليشماغ الإيراني الذي غالباً ما يوضع على الأكتاف، لا الرأس، وهو قريب في نقشَتِه من العراقي، وقد ظهر هذا اليشماغ على رقبة المرشد الإيراني أكثر من مرة، لكنه ظهر أيضاً على أعناق عراقيين مرتبطين بإيران، وعلى صور قاسم سليماني أيضاً".

أما سارة خالد، وهي تشارك في احتجاجات ساحة التحرير ببغداد، فقد أشارت إلى أن "النساء شاركن الرجال في ارتداء اليشماغ كنوعٍ من الاحتجاج الذاتي على أن المجتمع لا يُختصَر بالجانب الذكوري. فمشاركة النساء ضرورة حقة، وارتداء اليشماغ يعني بناء الحاضر الثوري إلى جانب الرجل"، مؤكدة لـ"العربي الجديد"، أن "اليشماغ ساعد النساء على التظاهر دون أن تتعرف الأجهزة الأمنية إلى وجوههن، خصوصاً مع اشتداد موجة الاعتقالات للناشطين والمحتجين، لذلك بات استخدامه مهماً".

المساهمون