"دارك ووترز": جماليات سينمائية

"دارك ووترز": جماليات سينمائية

23 يناير 2020
الهوس هو المحرّك الأساسي للفيلم (فيسبوك)
+ الخط -
ينتمي فيلم Dark Waters إلى أفلام "الإثارة القانونية"، التي ترتكز حبكتها غالباً حول شخصٍ ما، يكتشف شيئاً ما، فيحارب لتحقيق العدالة. تمكن مقارنته بـ"إيرين بروكوفيتش" (2000) لستيفن سودربيرغ، الذي بفضله نالت جوليا روبرتس جائزة "أوسكار" أفضل ممثلة. بهذا المنطق، يبدو غريباً أن يكون مخرجه تود هاينز، المعروف بأفلام الدراما الرومانسية، كـ"بعيداً عن الجنّة" (2002) و"كارول" (2015)، ومعظمها من بطولة ممثلات. هذا الفيلم مختلف. رغم ذلك، بذل هاينز كلَّ جُهدٍ ممكن، ليس فقط في ثنائية الإثارة والصراع بين فرد ومؤسّسة عملاقة، وكيفية التصاعد المؤثّر على جوانب حياته، بل أيضاً في تقليل الجفاف العاطفي لمادة الفيلم (المقتبس عن مقالة منشورة في "نيويورك تايمز")، جاعلاً إياه حكاية عن الهوس والمسؤولية أولاً.

يسرد "دارك ووترز" القصّة الحقيقية للمحامي روبرت بيلوت، الذي يشعر بالقلق والفضول بعد اكتشافه موت 190 بقرة في عامين، داخل مزرعة في ولاية فيرجينيا الغربية. مع بحثه في الموضوع، يعثر على اكتشافاتٍ قاسية وفظيعة عن مواد كيميائية مسرطنة، مرتبطة بالشركة العملاقة "دوبونت"، تصل إلى كلّ منزل في أميركا، فتتراكم في دماء الناس مع مرور الوقت، ما يجعل "كلّ شخص أميركي يواجه خطر المرض والموت البطيء"، كما يقول بيلوت.
في لغته السينمائية وأسلوب مَشاهده، لا يختلف "دارك ووترز" كثيراً عن الأفلام الأخرى ذات النوع نفسه. هذا تفرضه ربما المادة الدرامية نفسها. مَشاهد كثيرة للبحث في أوراق و"كمبيوتر"، وأيضاً البحث عن الحقيقة بين الناس، بلقائهم في منازلهم أو في حانات سرية.

جملة هنا وأخرى هناك، كي تتّضح الأمور ببطء، وتكون أكبر كثيراً مما يتخيّل بطلها في البداية. ثم الحرب مع المؤسّسة، ولحظات الانتصار والخسارة في معارك متتالية. لا شيء مختلف على مستوى البناء والأفكار في هذا كلّه، ربما فقط الجودة البصرية للمَشاهد التي حملت بصمة تود هاينز، وطريقة استخدامه النور والألوان والتكوين، ما ساعد على خلق الإثارة بطريقة مختلفة.
في المقابل، يكمن الفرق بين "دارك ووترز" (مياة مُظلمة) والأفلام الأخرى في مركزية شخصية البطل روبرت بيلوت، بالنسبة إلى الحكاية. هذا يحدث بسبب إخلاص هاينز وكاتِبَي السيناريو، ماثيو كارناهان وماريو كورّيا، لفكرة الهوس كمحرّك للفيلم، والقوة الشديدة التي يحملها التحوّل من شخصٍ مدافع عن الشركات الكيميائية في مؤسّسة محاماة، إلى شخصٍ وحيد يُدرك، في لحظة ما، خطورة ما يحدث. في أحد أقوى مشاهد الفيلم، يواجه زوجته (آنْ هاثاواي، في أداء جميل ومؤثّر، قياساً بحجم الدور) ـ التي تشعر أنّه على وشك الجنون ـ فتخبره أنّه ربما يخسر عمله وعائلته، ويُلاحَق طول حياته من أجل أوهام لا يراها غيره، بينما يشعر هو بالعجز لأنه الوحيد الذي يُدرك الحقيقة، ويحارب من أجلها.
يُدرك الفيلم مكمن تلك القوّة والضغط النفسي على البطل، ويُعوّل عليها للتحقيق والبحث والإثارة القانونية. هذا شيء ما كان ليحدث لولا مارك روفالو، في أفضل دور له في الأعوام الأخيرة. أداء يورّط مشاهديه عاطفياً مع شخصيته، فيتلمّسون خوفه على عائلته كمحرّك أساسي لعدم التوقّف، مقابل خوف مختلف من ضخامة تحدّي مؤسّسة بهذا الحجم. أداء يُقارن بأداء جوليا روبرتس في "إيرين بروكوفيتش"، ويُعلي من قيمة هذا العمل بين الأفلام المشابهة الأخرى.

دلالات

المساهمون