"دراكولا"... مصّاص الدماء يبحث عن وليمته في تطبيق مواعدة

"دراكولا"... مصّاص الدماء يبحث عن وليمته في تطبيق مواعدة

21 يناير 2020
عقم دراكولا يهدد تاريخه (نتفليكس)
+ الخط -
بثت مؤخراً شبكة نتفليكس المسلسل التلفزيونيّ القصير "دراكولا"، المقتبس من رواية برام ستوكر. المسلسل فكرة كل من مارك غاتيس وستيفن موفات، اللذين سبق لهما أن قدما على شبكة الـBBC one سلسلتي "دكتور هو" و"شارلوك هولمز" اللتين نالتا شهرة عالميّة، لتأتي سلسلة دراكولا المنتجة من قبل ذات القناة كجزء من عمل غايتس وموفات القائم على إعادة تقديم حكايات التراث العالميّ بصورة عصريّة ونقديّة، لا تُسائل فقط الحكاية الأصليّة، بل التغيرات التي قد تطرأ عليها إن حدثت في زمننا هذا. يبدأ المسلسل بحكاية المحامي جوناثان هاركر الذي يزور قصر الكونت دراكولا لتسيير أموره القانونيّة بسرعة قبل أن يعود إلى خطيبته، لكنه يكتشف لاحقاً أنه وقع أسير هذا القصر/المتاهة، كما أنه ليس إلا "وجبة" يتغذى عليها دراكولا ليستعيد قواه، ما يدفعه إلى الهرب، واللجوء إلى دير مغمور تقيم فيه الراهبة آغاثا، التي تهتم بالشؤون الشيطانيّة، وتسعى لفهم حكاية هاركر، الذي يتحول إلى مصاص دماء من دون أن يعلم.

"أنا سعيدة لأن الشيطان موجود، هذا يعني أن الإله موجود أيضاً". تردد العبارة السابقة الراهبة الهولنديّة آغاثا فان هيلسينغ، حين تتيقن من وجود الكونت دراكولا، مصاص الدماء الذي يتجاوز عمره الـ300 عام، ويريد الانتقال إلى لندن ليكون جزءاً من العالم "المتحضر"، بعد أن ملّ الحياة في قصره المعزول في رومانيا.
يقدم لنا المسلسل رؤية مختلفة لـ"عدو" دراكولا، فآغاثا حفيدة فان هيلسينغ، خصم دراكولا اللدود الذي يسعى لقتله، لكنها تختلف عن جدّها، هي راهبة متعلّمة وتخاف الله، ومشكلتها مع دراكولا لا تتمحور حول "شرّه" أو "قوته"، هي تبحث عن أصل خوفه، وسر الأساطير التي تحيط به، فلماذا يخاف الشمس، والصليب، والمياه المقدسة؟ لماذا لا يمكن له الدخول إلى مكان إذا لم يدعه أحد؟ كأن المسلسل يعيد النظر في "طبيعة" دراكولا، الذي بقي حياً لسنوات طويلة، ولم يفقد عقله كحالة باقي مصاصي الدماء.

تقع آغاثا تحت لعنة دراكولا، ويحولها إلى مصاصة دماء، لنشاهد بعدها رحلتهما إلى إنكلترا على السفينة، التي نتعرف خلالها إلى كيفية اكتساب دراكولا معارفه، فالدم بالنسبة له تاريخ كل شخص، ويختزل كل ما يدور في داخله، فكلما شرب دماء أحدهم اكتسب "المعارف" التي يمتلكها، وكأن الدم، وحسب تعبيره، يحوي كل الحقيقة، لكن لا بد من إتقان قراءته.
تحاول آغاثا قتل دركولا، وتفجر السفينة التي تقلّهما إلى إنكلترا، وتتركه ليغرق ظناً منها أنه قد مات. لكن، نكتشف لاحقاً أنه بقي نائماً في المياه لحين اكتشافه، إذ يصحو عام 2019، ليجد نفسه في مواجهة زوي حفيدة آغاثا، التي تترأس منظمة مسؤولة عن البحث عن دراكولا من أجل القضاء عليه.
ما يبدو أنه سخرية قدر يكشف لنا عن طبيعة الحياة والنظام السياسي في زمننا الحاليّ الآن، فدراكولا يتمكن من الخروج من سجنه، كونه "مواطناً" ويمتلك تمثيلاً قانونياً من مؤسسة هاركر، كما أن كلمة "مصاص الدماء" لا تحمل معنى قانونياً بالتاليّ لا يمكن توجيه تهم له.
يواجه دراكولا في زمننا الحاليّ إشكالية في الحصول على "الطعام" ويضطر إلى "الصيد" بصورة منظمة ومضبوطة، كون دماء البشر الآن أًصبحت مليئة بالأمراض والمضادات الحيويّة، وهذا ما يكتشفه حين يحاول شرب دماء زوي المسمومة، فهي مصابة بسرطان ويمكن لدمائها أن تقتله، لكنها بدورها تشرب عينة من دمه وتكسب "معارفه" لتظهر أمامها جدتها، آغاثا، ليحاولا معاً الإجابة عن السؤال المطروح منذ بداية المسلسل: لماذا يخاف دراكولا من أشياء غير منطقيّة، خصوصاً أن الجواب الذي حصلت عليه آغاثا/ زوي في البداية غير مقنع، إذ يقول دراكولا إنه شرب دماء الكثير من الفلاحين الخائفين فاكتسب خوفهم من الرب والمقدس. تحاول زوي اصطياد دراكولا الذي يستخدم تطبيقات المواعدة لإيجاد وجباته، والبحث عن عروسه التي ستحمل ذريته، فبالرغم من أنه أمير الدماء، إلا أنه عاقر، لا يستطيع أن يخلق ابناً أو ابنة له من صلبه، لذلك يبحث عن العروس الملائمة له، فعقم دراكولا يهدد كل تاريخه الذي يمكن أن يُنسى إن لم ينتقل دمه لأحد آخر.

نكتشف نهاية أن خوف دراكولا لا يأتي من دماء الفلاحين، ففي محاورة فلسفية بينه وبين آغاثا/زوي، نُفاجأ أنه يخاف الوحدة، هو جبان، يخاف الموت نفسه، يهرب منه مراراً من دون أن يدرك ذلك، أمير الحرب والدماء، ليس إلا جباناً يخاف مواجهة مصيره، ما يدفعه نهاية إلى شرب دماء زوي المسمومة كي يفارق الحياة.
يحتفي المسلسل بتراث دراكولا البصري والأدبي، بدءاً من الرواية حتى التمثلات المعاصرة، وبالخصوص اقتباس فرانسيس فورد كوبولا للرواية الشهيرة، إذ نلاحظ تشابه الموتيفات البصريّة في الأزياء والديكور، واقتباس الممثل الدنماركي تشايس بانك الذي يؤدي دراكولا في فيلمه غاري أولدمان.

أكثر ما يثير الاهتمام في المسلسل هو محاولته تقديم وجهة نظر جديدة حول دراكولا، هو الذكر الوحش الذي تتحداه امرأة، راهبة، تشكك بمعتقداتها، كما يشير المسلسل إلى كيفية تحول "المتعة" في الزمن الحالي إلى نوع من أنواع الإدمان الذي يبحث عنه الجميع في سبيل "الحلم" والخلاص من قلق العصر، فعروس دراكولا تعشق أن تكون وجبته، لأنه في كل مرة يشرب فيها من دمائها، يأخذها إلى مساحات فانتازيّة، وكأن دراكولا خطر جذاب، لا يمكن الفكاك منه إلا بالموت.

المساهمون