جاهدة وهبي...ما حصل في لبنان يفتح كوّة في الظلام

جاهدة وهبي... ما حصل في لبنان يفتح كوّة في الظلام

20 يناير 2020
"أبتعد عن الشاعرية الملتبسة" (العربي الجديد)
+ الخط -
من الفرح والحزن، ومن الوحدة والحب والثورة وحتّى من الألم، تعجِن الفنانة اللبنانيَّة، جاهدة وهبي، بصوتها المشاعرَ الإنسانية على اختلافها، في قالبٍ مهيبٍ واحدٍ، هو ذلك الصوت الذي تخبِزُ به كلّ أغنية جديدة تنضجُ بحرارة إحساسها. هكذا قدّمت المطربة المعروفة بـ"شاعِرة الصوت" معظم الأغنيات التي طبعت مسيرتها الفنية. وبهذا النمط نفسه المجبول بالمشاعر والصدق، تقارب وهبي أغنيات ألبومها المقبل الذي تكشف عن تفاصيله للمرة الأولى في حوارٍ خاص، أجرته معها "العربي الجديد". 

وبين بروفات التسجيل والروزنامة اللاهثة بالمواعيد الفنية المتزاحِمة، التقينا بصاحبة الصوت المثقّف الذي حمل أجمل ما اكتنز موروث الموسيقى العربية والشرقيّة عمومًا إلى مسارح العالم، وكانت بداية الحديث من الإصدار المزدوج الذي أطلقته أخيراً، وقدّمت فيه ألبوم "تُرجمان الأشواق" الصوفي الذي كان قد صدر سابقاً على المنصات الإلكترونية، فضلاً عن ألبوم جديد حمل عنوان "أرض الغجر"، وحظي بأصداء واسعة بين صفوف الجمهور والنقّاد على حدّ سواء.

في هذا السياق، تقول جاهدة وهبي: "سعيدة بنجاح ألبوم (أرض الغجر) رغم الظروف الراهنة التي تجعلنا نذهب في غنائنا إلى مواضيع تحكي الظرف والواقع، كالفقر وصعوبة العيش وإرادة الحياة. والألبوم حمل كثيراً من الموضوعات التي تهم الناس وتلامس مشاعرهم. وسعيدة أيضاً بألبوم (تُرجمان الأشواق) الذي نال بدوره الكثير من الإعجاب".

هذا النهج اعتاده جمهور المطربة التي تسعى إلى تحويل انفعالاتها وأفكارها وتجاربها الحياتية، لأعمالٍ غنائية ومسرحية تستعيد من خلالها تجاربها الخاصّة، وتروي في الوقت نفسه حكايات الناس. وهذا ما ينسحُب على ألبومها الجديد، إذْ تكشف: "بدأت العمل على ألبوم جديد كنت قد وعدت الناس به منذ زمن، وهو يتضمّن هذه المرّة إلقاء شعرٍ بمرافقة الموسيقى. وقد بدأنا العمل عليه، والتسجيل يتمّ في باريس مع الأخوين ساري وعيّاد خليفة. وأنا سعيدة جداً بالعمل معهما على هذا المشروع الذي سيبصر النور هذا العام" .

وعن التعاون مع الأخوين خليفة، تضيف: "أغنيات الألبوم هي من ألحاني وهما يتوليان توزيعها موسيقياً، إذْ يأخذان الألحان إلى أماكن جميلة جداً من الاختبار والتجريب والحداثة والعصرنة والأصالة في آن، لا سيما أن التجربة هذه المرّة تجمع الأداء الشعري مع الدندنة الموسيقية، ضمن إطار البحث في صلب علاقة الكلمة مع الموسيقى". وتشير: "هذا الألبوم يضمّ شعراً من مختلف أنحاء العالم وموضوعات متنوّعة جداً، حتى أن هناك مواضيع جديدة أطرحها للمرة الأولى. وفي الألبوم لا أغنّي طيلة الوقت، وإنما أترك مجالاً للموسيقى الجميلة والارتجال وتداخل الآلات مع الإيقاعات مع صوتي".

أمّا عن عنوان الألبوم، تفصح: "اخترت له عنوان (ملحٌ وظلال)، وقد أخذت العنوان من قصيدة لشاعر أحبّه كثيراً هو بسّام حجّار. والملح يحضُر في العنوان بكل رمزيته سواء أكان ملح الأرض أو ملح الخشونة وصلف العيش. أما الظلال، فهي بدورها حاضرة بكل وجوهها التي تجمع الأرض بالإنسان، وبعلاقة الإنسان مع الموت، والحزن والحذر، والتوثّب نحو الحياة، بالإضافة إلى الأمل والحلم، وكل ما هو مجرّد ولا يمكن لمسه. كل هذه الظلال ستكون موجودة في الألبوم، بالإضافة طبعاً إلى ظلال من الموسيقى والشعر الجديدة من نوعها".


كذلك تكشف عن تحضيرها لعمل مسرحي جديد تتعاون فيه مع الفنان اللبناني، جهاد الأندري، سيتمّ تقديمه في دبي خلال شهرين، قبل أن ينتقل إلى خشبة المسارح في بلدان أخرى. ومن الغناء إلى ميدان الثورة الذي زاره صوت جاهدة وهبي فارتفع حاملاً قضايا الناس ومندداً بالفساد والظلم والفقر بعيداً من الديبلوماسية المنمّقة التي اختبأ خلفها فنانون آخرون، حيث ترى المطربة الملتزمة بأصالة الفن، أن "ما حصل في الفترة الأخيرة في لبنان يفتح كوّةً في كلّ الظلام الذي كان يعيشه البلد لناحية الفساد والإهمال والآمال غير المنجزة والنائمة". وتضيف: "أنا من الأشخاص الذين ناصروا الناس وناصروا ما أحبّ أن أسمّيه (حزب الياسمين). وأينما يجتمع الناس أحبّ أن أكون، لذلك أنأى بنفسي عن المزايدات، وأحاول أن أعمل وأسعى في هكذا ظروف أن يسهم كلّ ما أقدّمه في رفع صورة لبنان أكثر وأكثر وأحاول أن أكون صوت الناس قدر المستطاع".

وترى وهبة أن للفنانين والمثقفين دوراً بالغ الأهمية في تزكية الثقافة والمساهمة في إبعاد الجهل والتعصّب، "لأننا نعيش في مكان، يحكُم فيه نظرتنا إلى الآخر، الكثير من التعصّب والعنصرية والهمجية". وعن مناصرتها للثورة بطريقة واضحة بعيدة من المواقف الرمادية، تقول: "ليست هذه المرّة الأولى التي أعطي فيها صوتي للناس أو أزكّي فيها الإنسانية على أية اعتبارات أخرى. فمنذ بداية مسيرتي وأنا أعطي القضايا الإنسانية سواء في لبنان أو فلسطين أو العراق أو العالم العربي أو في أي مكان في العالم الأولوية. فأنا لا أنتظر مناسبةً لأرفع الصوت في وجه كل ما يتضمن ظلماً أو إجحافاً بحق الناس والشباب. ومعروف عني أنني ابنة الجيش اللبناني، وغنّيت كثيراً للجيش. ودائماً ما أردّد أننا يجب أن نكون يداً بيد مع الجيش والقوى الأمنية التي تحمي هذا البلد، والتي تشكل رمز وحدته. وأنا لا أحبّ أتزلّف أو أن أزيّف نفسي في هكذا ظروف، ولذلك أبتعد عن الشاعرية الملتبسة والتي تحمل استعراضية مجانية. أنا لست هكذا فأنا ربيت في بيت وطنيّ، كما أنني شخص غرف من ذاكرتنا الفنية وموروثنا الحضاري، ولا أستطيع إلا أن أكون من صلب كل ما يساهم في تظهير صورة لبنان الحضاري أكثر".

دلالات

المساهمون