"متروبوليس" وتحدّي البقاء: بؤس بلد لا بؤس سينما

"متروبوليس" وتحدّي البقاء: بؤس بلد لا بؤس سينما

09 سبتمبر 2019
"متروبوليس سينما": مأزق البقاء وتحدّي الفراغ (فيسبوك)
+ الخط -
تواجه صالتا "متروبوليس سينما" في بيروت تحدّيا جديدا، لعلّه الأسوأ في مسارها، المبتدئ قبل يومٍ واحد فقط على اندلاع حربٍ إسرائيلية على لبنان، بين 12 يوليو/تموز و14 أغسطس/آب 2006. التزامن بين إطلاق الصالة في مسرحٍ صغير تابع لـ"مسرح المدينة" (الحمرا)، قبل انتقالها إلى "مركز صوفيل" (الأشرفية)، بصالتين تابعتين حينها لمجمّع "أمبير"، واندلاع تلك الحرب، المعروفة باسم "حرب تموز/يوليو"، جزءٌ من التحدّيات الجمّة التي تواجهها "جمعية متروبوليس". الانتقال من شارعٍ إلى آخر في بيروت لحظة تحوّل، تذهب بالجمعية إلى ابتكار أنماطٍ شتى من الحراك السينمائيّ المتنوّع، فالصالتان أوسع، والمكان أقدر على جذب مُشاهدين مهتمّين من أنحاء مختلفة من العاصمة اللبنانية، ومن خارجها أيضًا. 

التحدّي الأسوأ هذا كامنٌ في أنّ "إغلاق" الصالتين شبحٌ يلوح في أفقٍ ربما يكون قريبًا. مشروع ثقافي كهذا يعجز عن تلبية الحاجة الملحّة للاستمرار، والحاجة مرتبطة بالمال. العلاقات الكثيرة، الناشئة بين الجمعية وجهات سينمائية وثقافية دولية، تصطدم بارتفاع حدّة المآزق اللبنانية الداخلية، في الاقتصاد تحديدًا، ما يُؤدّي إلى أزمةٍ تُصيب الجمعية وصالتيها. المشاريع الثقافية برمّتها مُحتاجة إلى مال، والدعم المالي الذي تحصل عليه مشاريع كهذه في أوروبا مثلاً يتفوّق، أحيانًا، على قطاعات حياتية ويومية أخرى. لن يكون جديدًا القول إنّ مشاريع ثقافية وفنية في لبنان والعالم العربي تستند إلى مبادرات وجهود فردية بحتة، تتمكّن هانيا مروّة، مؤسّسة "جمعية متروبوليس" ومديرتها، من القيام بها رفقة معنيين بالسينما ونشاطاتها، قبل بلوغ مرحلة كهذه. فالصعوبات تزداد، والأوضاع برمّتها تنهار، والبلد يتداعى، والاختناق يُضيِّق على الجميع، والشقاء سمة اللحظة. 

لن تكون كلمات كهذه ندبًا أو بكائيات. معاصرو انطلاق "متروبوليس" في شارع الحمرا، ومتابعو المسار لغاية اللحظة الراهنة، يُدركون معنى اصطدام مشروع كهذا بتحدٍّ ماليّ، ربما يؤثِّر سلبًا عليه، فيوقفه. المحاولات الجارية لتجاوز العقبات الجديدة مستمرّة، فهي أيضًا منبثقة من مبادرات وجهود فردية بحتة، آخرها إطلاق حملة لجمع المال. فالحيّز السينمائيّ هذا، المعروف بكونه "صالة فنّ وتجربة" هي الوحيدة في لبنان، "مساحةٌ حيوية وديناميكية، متمكّنة دائمًا من الاعتماد على دعم غير مشروط من الجمهور"، كما في تصريحٍ لمروّة. أحد أبرز نشاطات الحملة يتمثّل بعرض فيلم مُنتج عام 1925، بعنوان Variety، لمخرجه الألماني إيفالد أندره دوبون (1891 - 1956)، الذي يُعتبر "إحدى التُحف السينمائية الألمانية في عشرينيات القرن الـ20"، وذلك مساء الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2019، في "متحف سرسق" (الأشرفية)، مع افتتاح النسخة السادسة لـ"أسبوع السينما الألمانية"؛ إلى جانب "منصّة للتبرّعات عبر الإنترنت".

بعض الأرقام يشهد معنى "المساحة الحيوية والديناميكية" ويؤكّده: ألفا فيلمٍ من 112 بلدًا، معروضة كلّها في 13 عامًا، مقابل 800 ألف مُشاهد. مهرجانات واستعادات ودروس سينمائية مختلفة، يبلغ عددها، في الفترة نفسها، 160. إطلاق 95 فيلمًا لبنانيًا، واستضافة 70 سينمائيًا أجنبيًا. هذه لن تبقى مجرّد أرقام، فهي تاريخ واشتغال وحضور. لكن المأزق كبير، والبؤس عظيم، فالبلد مسكونٌ بخرابٍ غير مُحتَمَل.

المساهمون