حيدر والملك... من زهر البيلسان إلى زهر البنسلمان

حيدر والملك... من زهر البيلسان إلى زهر البنسلمان

23 سبتمبر 2019
قدم الشاعر في المنصة السعودية قصيدة ملفقة (العربي الجديد)
+ الخط -
ما الذي يغري شاعراً حتى يذهب إلى حفل السفارة السعودية في بيروت، ويمدح الملك سلمان وابنه، بمناسبة اليوم الوطني التاسع والثمانين للمملكة؟

طيب، لنعد السؤال من باب الاحتياط: ما الذي يغري أي شاعر، ليمدح أي حاكم، وتحديداً، هذه اللحظة التي فيها حكام من صنف "يجرّ المخزيات ولا يبالي"، فما بالك حين تكون الدولة ذات ملفات عويصة ومعيبة طبقت الآفاق وزكمتها.

إذا قلت: طلال حيدر، فإنه أحد شعراء قليلين في الوطن العربي حظوا بشهرة جيدة، بمعزل عن القصائد التي تغنى بها مغنون مميزون، مثل فيروز: "وحدن" و "راعي القصب"، وأميمة خليل: "لبسوا الكفافي"، ومارسيل خليفة: "ركوة عرب" وسجر البن" و "بغيبتك نزل الشتي".

لكن حيدر ابن بعلبك اللبنانية وهو في الثانية والثمانين جر ذاته أمس إلى منصة المتحف الوطني في بيروت، ليؤدي دوراً أثار حفيظة من يعرفونه ويعرفون قدره، ومن لا يعرفونه ويعرفون شعره، ومن يعرفونه ويختلفون معه سياسياً، ويقدرون شعره.

كان الشاعر أقل من قامته، وهو يلقي بطريقة مدرسية مثيرة للأسف: الله أكبر رمز مملكة مشكاتها الأنوار، خادم الحرمين سلمان رعاه الله عزّا وافتخار، ومحمد بن سلمان يقول للآتي، تعال الآن إني لا أحب الانتظار.

ملعب الشاعر هو المناخ الشامي الذي ترمح الفرس في أرضه، وتعود إلى مرعاها في سهل بعلبك. لكنه في منصة سعودية كان يقدم قصيدة ملفقة، لا تشبه ألبتة القصائد الوظيفية التي رثى بها باسل الأسد، وحافظ الأسد.

رثى بالعامية شاميين، وفي واقعة اليوم الوطني السعودي في متحف لبناني، مدح سعوديين، فكان لا بد من اللغة العربية الفصحى، لأن السعودية ترحب بأغنية مديح بلهجة نانسي عجرم أو عاصي الحلاني، لكن البلاط الملكي يفضل لشعر المديح أن يلمع كما يلمع البلاط، بالنبطي المحلي، أو الفصيح.

لا يصدق من يعرف شعر الشاعر حيدر أنه بذل جهداً، حتى يتركنا نتفرغ للسؤال الأخلاقي عن أحقية الممدوح في أن تقال فيه كلمة خير، ولو من باب الصدقة.

فما زالت الكُدية بالشعر تواصل وظيفتها القديمة، أي تطريز الأمدوحة ثم انتظار الحاكم ليعطي الأعطية، التي اشتهرت من خلال الكيس المملوء بالدراهم الذي يرمى للشاعر، وصولاً إلى الشيك العصري، ذي الورقة المستطيلة الرقيقة، أو الأعطيات العينية من ساعة اليد إلى السيارة التي تركض بأربع عجلات.

غير أن التيار الشعري العام عزل هذا عن مساره، وبات من المعيب أن تنضم المدائح إلى مدونة الشعر العربي، وبقي بشكله الوظيفي في خدمة السلطة، مع إمكانية أن يكون المادح على قدر عال حتى إنه يرى نفسه بموازاة ممدوحه، كما كان المتنبي وكما كان في القرن العشرين محمد مهدي الجواهري.

قصيدة طلال حيدر جرّت عليه غضبة في مواقع التواصل، تكاد تجمع على أن زغللة العيون أمام الدولارات، دفعت إلى لفلفة قصيدة كما تحضّر شطيرة برغر. بلغ الأمر أن رواد مواقع التواصل تداولوا عبارة "من زهر البيلسان إلى البنسلمان"، في إشارة إلى أغنية "وحدن" التي غنتها فيروز من ألحان زياد الرحباني.

آخرون تحدثوا عن سلوك غير مستغرب من شاعر له مواقف متلونة، إلا أن قصائده حافظت على مستوى فني رفيع، لا كما هي حال قصيدة السفارة غير الملائمة لشاعر يمسك مجده الشعري منذ عقود، ويحق له وهو الآن في هذه السن، أن يغامر ما شاء في الشعر الصافي، أو يستريح ويتلقى التحيات من الجيل الشعري القادم.

واقعة حيدر السعودية قد تحيل إلى الدولارات والريالات، وقد تحيل إلى فانتازيا يوم وطني لدولة في متحف دولة أخرى. لكن ما تميل إليه حيثيات القصيدة المضحكة في اليوم الوطني هو ما يجري تداوله منذ سنوات عن الهراء، أو نظام التفاهة.

لا يمكن لشاعر فذ أن يلقي قصيدة مدح كما لو أنه يلقي ورقة مجعلكة في سلة مهملات. هل كان طلال حيدر الذي يرقّص القصيدة وينوّمها على ذراعه، يدرك أنه يكتب شعراً رديئاً، لأن لا شيء يستحق أكثر من ذلك.

المساهمون