لم يتوقف الصراع يوما في ليبيا منذ سنوات، وعندما كانت تخفُت أصوات البنادق تتصاعد نبرة الفرقاء السياسيين بشكل أكثر حدّة، وكأنما الجميع (أو بعضهم) يحاولون التمديد في عمر الأزمة وحالة الاحتراب الأهلي من دون التفكير في التوجّه نحو مفاوضات جدّية تنهي الانقسام، وتعيد الكلمة للشعب، لاختيار من يمثله وفق دستور واضح المعالم، يرسي دعائم دولة القانون والمؤسّسات. أصبحت إمكانية عودة الاشتباكات بين حلفاء الأمس أعداء اليوم أمرا مرجّحا، وقد كانت له سابقة، عندما حاول رئيس الحكومة الموازية، فتحي باشاغا، الدخول عنوة إلى طرابلس. وفي ظل تنازع الشرعيات عاد السؤال بشأن من يمثل القرار الرسمي الليبي، بغض النظر عن مدى حضوره على الأرض، أو قدرته على توحيد كل أراضي الدولة الليبية تحت سلطته، فقد أعلن باشاغا، في رسالته إلى الأمين العام للأمم المتحدة، "لقد انتھى رسمیا الآن تفویض الأمم المتحدة لتحدید مسار الانتخابات. لذلك، وبصفتي رئیس وزراء لیبیا، المنتخب على النحو الواجب من قبل مجلس النواب، سأقود الآن كل الجهود المبذولة لإجراء الانتخابات في لیبیا في أقرب فرصة ممكنة"، غير أن هذا لم يكن إلا جزءا من المشهد، حيث الرغبة المحمومة لدى حكومة باشاغا في انتزاع الاعتراف الدولي بها، وهي التي فشلت في استلام الحكم داخل العاصمة طرابلس.
إذا احتكمنا لمنطق الشرعية الانتخابية والاختيار الشعبي، يمكن القول إن ليبيا الحالية تخلو من أي طرفٍ يمكنه ادّعاء تمثيلية الشارع الليبي
كانت المواقف متضاربةً بخصوص انتهاء شرعية حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، ففيما عبرت بعض الدول الإقليمية الداعمة لخليفة حفتر وحكومة برلمان طبرق عن اعتقادها بنهاية شرعية حكومة الوحدة الوطنية، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وكان بيان الخارجية المصرية هو الأكثر وضوحا في هذا السياق، حيث اعتبرت أن "تاريخ 22 يونيو 2022، موعد انتهاء خارطة طريق ملتقى الحوار السياسي وولاية حكومة الوحدة الوطنية الليبية المنبثقة عنه"، جاء موقف الهيئة الأممية مغايرا لهذا التوجّه، فقد حثت "القادة الليبيين على الامتناع عن استخدام تاريخ 22 يونيو أداة للتلاعب السياسي"، وهو الموقف الذي أشادت به حكومة الوحدة، لأنه يعني استمرار الاعتراف الدولي بشرعيتها. وبعدها صدر بيانٌ مشتركٌ صادر عن وزارات الخارجية في كل من الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا، يعبّر عن رفضه أي إجراءٍ قد يؤدّي إلى الانقسام في ليبيا، مثل إنشاء مؤسسات موازية أو الاستيلاء على السلطة بالقوة، وهو ما رأت فيه حكومة الدبيبة تأييدا لها، من حيث رفض وجود مؤسسات موازية تنازع حكومة الوحدة الوطنية أحقية استمرار إدارتها شؤون البلاد. ويظل مشكل تنازع الشرعيات في ليبيا سؤالا جوهريا ومؤرقا في الوقت نفسه، وبعيدا عن المواقف الأممية، وإذا احتكمنا لمنطق الشرعية الانتخابية والاختيار الشعبي، يمكن القول إن ليبيا الحالية تخلو من أي طرفٍ يمكنه ادّعاء تمثيلية الشارع الليبي، فالبرلمان المزمن قد تجاوز الآن السنة الثامنة من عمره، وهو الذي جرى انتخابه ليبقى خمس سنوات، والمؤسسات السياسية الأخرى، مثل مجلس الدولة تعيد إنتاج ذاتها، والمؤسستان الأمنية والعسكرية مفككتان، وما يسميه خليفة حفتر جيشاً ليبيّاً هو مجموع المليشيات التي تدين له بالولاء، ويمارس عليها نفوذه الشخصي مع أبنائه، من دون وجود مؤسّسات دستورية تراقب عمل هذا الكيان المسلح، وتضبط حدود نشاطه.
مشكلة ليبيا أن الأطراف التي تتحاور حول الخروج من الأزمة هي ذاتها سبب الكارثة، بل ومن مصلحتها استمرار الأزمة
وفي المقابل، توجد مؤسّسة عسكرية أخرى في العاصمة طرابلس، وهي مهدّدة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بالتفكّك نتيجة ميل بعض مكوناتها إلى دعم حكومة فتحي باشاغا، وهكذا تتمدّد أزمة الشرعية، لتشمل شتى هياكل الدولة بمؤسّساتها الدستورية والتنفيذية والعسكرية، وهو ما يجعل من قضية إعادة بناء الدولة الليبية أمرا ملحّا وعاجلا، ولا يوجد مدخل لإعادة التأسيس إلا الشكل الانتخابي الذي تواجهه عوائق كثيرة، أولها الاتفاق على القاعدة الدستورية التي هي محلّ جدل بين أطراف شتى، وبقي الجدل حولها قائما منذ سنوات، من دون الوصول إلى حل. وعلى الرغم من حرص المبعوثة الأممية، ستيفاني وليامز، في التوصل إلى اتفاق بين الفرقاء فيما يخص المشكل الدستوري، إلا أن الإخفاق كان نتيجة مباحثات القاهرة أخيرا، وهو ما دفعها إلى نقلها إلى جنيف، لمزيد من إجراء المداولات للوصول إلى حد أدنى من الاتفاق. مشكلة ليبيا أن الأطراف التي تتحاور حول الخروج من الأزمة هي ذاتها سبب الكارثة، بل ومن مصلحتها استمرار الأزمة التي وفرت لها من النفوذ المحلي والعلاقات الدولية خارج كل محاسبة قانونية ما لا يمكن أن يتحقق لها في صورة عودة الدولة الطبيعية، ومنح الفرصة للشعب الليبي لاختيار ممثليه عبر الانتخابات. ويدرك الجميع أن إفشال محاولة تنظيم الانتخابات في نهاية السنة الماضية وراءها أكثر من طرف ممن يتصدّر المشهد منذ سنوات، ولا يرغب في المجازفة بفقدان المصالح التي راكمها في غياب الدولة. ولكل هذه الأسباب ستستمر اشتباكات السياسة والسلاح في ليبيا، ما لم يتحرّك الشارع الليبي بذاته، ويحسم الموقف ويفرض الحل المناسب، ويبقى هذا من قبيل الأمنيات، ولكنه ليس مستحيلا.
دعت وزارة الخارجية الأميركية، الخميس، السعودية إلى التزام "الشفافية والعدالة في ملاحقة الفساد"، في إشارة إلى حملة الاعتقالات الجديدة، التي يقودها ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، منذ السبت الماضي، والتي طاولت 11 أميرًا و4 وزراء حاليين وعشرات الوزراء السابقين ورجال أعمال.
وقالت المتحدثة باسم الوزارة، هيدز ناورت، في موجز صحفي من العاصمة واشنطن: "نتوقع منهم (السعودية) أن يفعلوا ذلك (محاكمة الفاسدين) بأسلوب عادل وشفاف، وهو أمر نؤكد عليه ليس مع السعودية، بل مع جميع الحكومات"، وفق "الأناضول".
وذكرت المتحدثة ناورت أن الوزير ريكس تيلرسون تحدث إلى نظيره السعودي، عادل الجبير، بشأن الموقف في المملكة، وشددت على أن تيلرسون دعا الرياض إلى "الشفافية".
وكان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قد أشاد بالملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، وابنه ولي العهد، إبان حملة الاعتقالات الواسعة التي شنتها السلطات السعودية.
وطالبت الأمم المتحدة، الثلاثاء، بضمانات بشأن قانونية حملة الاعتقالات، إذ قال نائب المتحدث الرسمي باسم الأمين العام، فرحان حق: "نحن نريد ضمانات بأن إجراءات العملية القانونية (لهذه الاعتقالات) قد تم استيفاؤها بشكل كامل".
ونفذت السلطات في السعودية موجة اعتقالات لم يسبق لها مثيلٌ في التاريخ الحديث للمملكة تحت عنوان "محاربة الفساد"، لتعزيز قبضة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، على مقاليد الحكم كافة، وجميع المؤسسات الأمنية والاقتصادية والإعلامية، تمهيداً لتسلّمه العرش.
ويقول محللون إن الحملة إجراءٌ استباقي آخر من ولي العهد لاستبعاد شخصيات قوية، بينما يسعى لإعادة تشكيل الاقتصاد والمجتمع في أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم.
وعلى صعيد متصل، كشفت ناورت، في الموجز ذاته، أن القنصل الأميركي في السعودية، كريس هينسل، التقى رئيس الوزراء اللبناني المستقيل، سعد الحريري، الأربعاء.
ولدى سؤالها عن تقارير عن احتجاز السعودية لرئيس حكومة لبنان، رفضت الإفصاح عن موقع عقد الاجتماع أو الإدلاء بالمزيد من التصريحات عن وضع الحريري، ووصفت المحادثات بأنها "محادثات حساسة وخاصة ودبلوماسية".
والجمعة الماضي، غادر الحريري لبنان متوجهاً إلى السعودية، وفي اليوم التالي أعلن استقالته من منصبه، عبر خطاب متلفز من هناك.
حرصت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" على طمأنة الفصائل الفلسطينية في غزة، حول مفاوضاتها لتثبيت وقف إطلاق النار مع الاحتلال، التي يقودها رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، الوسيط الدولي توني بلير، ووسطاء أمميون وأوروبيون آخرون. لكن التهدئة ذاتها التي تقضي بتثبيت وقف إطلاق النار وإنهاء الحصار المفروض على غزة منذ تسع سنوات لم تكتمل بعد.
وأوضح المتحدّث باسم "حماس"، سامي أبو زهري، أمس الخميس، في بيان أصدره أنّ "حماس" عقدت سلسلة من اللقاءات القيادية في الأيام الأخيرة مع "فتح" و"الجهاد الإسلامي" والجبهتين الشعبية والديمقراطية والمبادرة الوطنية، جرى خلالها بحث اللقاءات الأخيرة مع الأطراف الأوروبية ولقاء بلير بشأن التهدئة. وأكدت "حماس" للفصائل، وفق أبو زهري، أنّ أي عرض تهدئة سيقدم لـ"الحركة"، سيعرض على الجميع، وأنّ فكرة إقامة دولة في غزة غير ورادة، وهي مجرّد تخويف يعمد إليها البعض.
وتشير مصادر "العربي الجديد"، إلى أنّه حتى اللحظة، لم يقدّم الأوروبيون وبلير أي مقترح كامل وشامل لـ"حماس"، وأنّ ما جرى هو نقل رسائل من إسرائيل إلى "الحركة"، عن رغبتها في تهدئة طويلة، يُرفع بموجبها الحصار، ويُنشأ في إثرها ممر مائي، أو ميناء، يربط غزة بالعالم الخارجي. أما الفصائل، وفق المصادر، فقد عرضت على "حماس" خلال اللقاءات تخوفاتها من شخصية بلير والأوروبيين، وأنّ فكرة تهدئة طويلة في غزة، على الرغم من حاجة السكان لها، تعتريها مخاطر كثيرة، تتعلق بالفصل السياسي والجغرافي بين الضفة وغزة، وهو ما أكدت "حماس" أنه لن يحصل.اقرأ أيضاً حماس: أي اقتراح للتهدئة سيعرض على الفصائل
غير أنّ مصادر قيادية في "حماس"، تؤكد لـ"العربي الجديد"، أنّ ملف التهدئة الشاملة تظهر فيه حتى الآن إشكاليات عدة، ومنها رفض "الحركة" ربط الملف بأي حال من الأحوال بالجنود الإسرائيليين الأسرى المحتجزين لديها، واشتراطها أن تشمل التهدئة الضفةَ الغربية والقدس. وتوضح المصادر، أنّ الحركة تريد اتفاق تهدئة يضمن إنهاء الحصار بشكل كامل، وتشترط فصل ملف تثبيت وقف إطلاق النار عن ملف الجنود الأسرى، كذلك تشترط إقامة ممر آمن بين غزة والضفة يسمح بتنقل الفلسطينيين بين المحافظات من دون وجود إسرائيلي عليه.
ويشهد ملف التهدئة طويلة الأمد، اتصالات متسارعة تشارك فيها تركيا وقطر. وعقد بلير قبل أيام لقاءين مع رئيس المكتب السياسي لـ"حماس"، خالد مشعل في الدوحة، قبل أن يتوجّه الأخير بعدها إلى تركيا، حيث التقى برئيسها رجب طيب أردوغان ورئيس وزرائها أحمد داود أوغلو لبحث الأمر ذاته.
وكانت مصادر قد كشفت لـ"العربي الجديد" في 13 يونيو/حزيران الماضي، عن نقل الوسطاء رسائل لـ"حماس" عن رغبة إسرائيل في إقامة ميناء بحري، أو ممر مائي يربط القطاع بالعالم الخارجي، يكون بوابة للحركة التجارية ويخفف الخناق على القطاع، إلى جانب رسالة تؤكد أنّ مواد البناء الخاصة بملف الإعمار ستدخل بكميات كبيرة.اقرأ أيضاً: حماس تطلع الفصائل على تفاصيل مشاورات التهدئة
الصفحة المطلوبة غير موجودة.