كارلوفي فاري: صيف حار وحياة لا تهدأ

كارلوفي فاري: صيف حار وحياة لا تهدأ وحيوية حضور

07 يوليو 2019
جوليان مور وبارت فرندليتش (Getty)
+ الخط -
تبتكر إدارة "مهرجان كارلوفي فاري السينمائي الدولي"، دورة تلو أخرى، ما يمنح متابعي تلك الدورات بعض راحة وضحك، قبيل لحظات من الانصراف إلى عوالم مشحونة بالألم والتمزّقات والصدامات. جديد الدورة الـ54، المُقامة بين 28 يونيو/ حزيران و6 يوليو/ تموز 2019، يكمن في عرض أشرطة يُنجزها التلفزيون التشيكي يوميًا، بالألوان، تُقدِّم حصيلة اليوم السابق. والحصيلة تلك تختزل نشاطات ولقاءات وعروضًا وتفاصيل تشهدها أروقة المهرجان، ومقرّه العام في "فندق ترمال"، وما يحيط المقرّ من أمكنة يلتقي فيها قادمون إلى الصالات، أو راغبون في الاستمتاع بإجازة صيفية ذات شمس ساطعة، وحرارة مرتفعة، وحراك جميل. 

الأشرطة هذه ترتكز على سرعة السرد، وعلى تكثيف مدّتها (ثوان قليلة)، وعلى ألوانٍ زاهية تُشبه تلك التي تزخر بها المدينة حاليًا، مع طقسٍ ترتفع فيه درجة الحرارة إلى مرتبة غير مسبوقة، قبل أن تنخفض قليلاً، فيُشيع الليل نسمات باردة ولطيفة، وراحة تسمح بمتعة حقيقية بما تُقدِّمه المدينة من متطلبات السهر، في المحيط الضيّق لمقرّ المهرجان على الأقلّ.

كما أنّها توثِّق حراكًا تشهده الصالات الـ6 في مبنى "فندق ترمال"، وأبرزها "الصالة الكبرى"، التي تضمّ نحو 1200 مقعد، يندر ألاّ تمتلئ كلّها في الغالبية الساحقة من العروض السينمائية المُقامة فيها، علمًا أنّ هذا الرقم مذكور مرارًا عند تناول عروض أفلام مُرمَّمة للمصري يوسف شاهين، خصوصًا "باب الحديد" و"عودة الابن الضال". وتنقل الأشرطة أيضًا ما يحدث في قاعات المؤتمرات واللقاءات الصحافية، وفي مقاهي الفندق، والمركز الصحافي، و"مكتبة الفيديو"، التي يستفيد منها نقّاد وصحافيون وعاملون في صناعة السينما، لمُشاهدة ما فاتهم من أفلام. فالعروض المفتوحة لهم في صالات عديدة في الفندق، وفي تلك الموزّعة في أنحاء مختلفة من المدينة، تبدأ 8،30 صباحًا، علمًأ أنّ منتصف الليل هو آخر موعد للعروض اليومية. ورغم هذا، لا يتمكّن كثيرون من مُشاهدة المطلوب، فيحاولون مشاهدته في المكتبة، التي تضمّ 18 شاشة تلفزيونية، ومئات الأفلام المُشاركة في المسابقة الرسمية والمسابقات الأخرى، والبرامج المرافقة لها.

لكنّ "مكتبة الفيديو" تلتزم اتفاقات مع المنتجين والمخرجين، إذْ يرفض بعضهم عرض أفلامه على شاشة تلفزيونية، تبقى أصغر حجمًا بكثير من الشاشات السينمائية. أفلامٌ أخرى غير متوفّرة فيها إلاّ بعد عرضها الأول (على الأقلّ) في المسابقات أو البرامج المختارة لها. أما العروض المفتوحة أمام الجميع، فيتراوح عددها بين 3 و4 عروض للفيلم الواحد، في صالات مختلفة، ما يُتيح فرصًا أكبر للمُشاهدين لاختيار المطلوب. وكعادة الأوروبيين، فإنّ أسعار بطاقات الدخول تشهد تخفيضاتٍ، خصوصًا أثناء المهرجانات. فثمن البطاقة الواحدة 80 كورونا تشيكية (3 دولارات و63 سنت، فالدولار الأميركي الواحد يعادل 22 كورونا)، بينما ينخفض الثمن إلى 60 في حالات متعلّقة بالطلبة، وبمن هم فوق 65 عامًا. هناك تسهيلات أخرى أيضًا، إذْ تتراوح أسعار "بطاقة المهرجان"، التي تتيح لمن يشتريها مشاهدة الأفلام خلال فترة محدّدة (يوم واحد، 3 أيام، 5 أيام، 8 أيام هي مدّة كلّ دورة)، بين 250 و1200 كورونا، التي تتراوح مع التخفيضات بين 200 و900 كورونا.

ما يُقال عن كون "مهرجان كارلوفي فاري السينمائي" أسهل المهرجانات الدولية وأكثرها راحة، صحيح للغاية. فالعدد الكبير من الأفلام المختارة سنويّا، والبرامج والندوات واللقاءات، وبعضها مخصّص لأصحاب مشاريع جديدة ينشدون دعمًا أو تمويلاً، هذا العدد الكبير لن يحول دون متابعة يومية لمسائل مختلفة من دون أنْ يشعر المُتابع بثقل المهمة أو استحالتها. ورغم أنّ المُتابع غير قادر على تحقيق كل ما يبتغيه، لوفرة العناوين والبرامج والنشاطات، إلاّ أنّ المهرجان يمنحه قدرة على اختيارات هادئة، وعلى اللحاق بمواعيد يُحدّدها لنفسه. فـ"فندق ترمال"، المبني على الطراز الاشتراكي زمن الحكم الشيوعي، قائمٌ في حيّز جغرافي مفتوح على الجهات كلّها للمدينة، وعلى أمكنة تُشكِّل امتدادًا للمهرجان، كالمطاعم والمقاهي والفنادق المعتَمَدة، وصالات أخرى، إحداها تابعة للبلدية، علمًا أن "فندق Pupp"، أحد أشهر فنادق المدينة وجمهورية تشيكيا (مقرّ إقامة السينمائيين المدعوّين)، لديه أيضًا صالة سينمائية، تُعتَبر الأبرز والأهمّ.

لكن هذا لن يحول دون التنبّه إلى مفارقات سلبيّة، يشهدها متابعو المهرجان في دورته هذه. فبعض الصالات الصغيرة في "فندق ترمال" تضمّ كراسي عاديّة بدلاً من المقاعد المخصّصة لصالة سينمائية، وهذا متعِبٌ خصوصًا أن الكراسي يلزمها صيانة، كما يلزم عديدة، بينما تبدو إدارة الفندق غير معنيّة بها حاليًا، بسبب نزاعات بين مالكيه، كما قيل. وهذا على النقيض التامّ لما هو حاصل إثر حدوث خطأ تقنيّ في أحد العروض، إذْ عولج الأمر سريعًا من قبل مسؤولي تلك الصالات.

بالإضافة إلى ذلك، يزداد عدد المُشاهدين الأجانب، في العروض الصحافية مثلاً، المهتمّين بأجهزتهم الهاتفيّة الذكية، غير عابئين بإزعاجٍ يُسبّبونه للمشاهدين الآخرين. ومع أنّ العدد قليلٌ، إلاّ أنّه لافت للانتباه، خصوصًا أنّ دورات سابقة غير شاهدة على هذا التصرّف. مع هذا، يعمّ الهدوء التام مع بدء الفيلم، فالبعض مستمرٌّ في استخدام تلك الأجهزة مع إطفاء الضوء، وبدء عرض أشرطة مختلفة، تُعنى كلّها بالمهرجان وحكاياته. 

حكايات "مهرجان كارلوفي فاري السينمائي الدولي" كثيرة، فهو مستمرّ في جذب أعدادٍ كبيرة من المهتمّين بالسينما، الواقفين في صفوفٍ طويلة، أحيانًا، لمُشاهدة فيلمٍ ما، وهم ربما يأتون قبل ساعاتٍ عن الموعد المحدّد. الشباب عنصر أساسيّ في الحيوية الحاصلة في محيط "فندق ترمال"، كما في أروقته وصالاته، إذْ يفترشون المساحات الخضراء، أو يُشاركون في الحفلات الموسيقية اليومية، أو يتابعون ندوات تلفزيونية مع مدعوين إلى المهرجان، أو ينتظرون وصول ضيفٍ أو نجمةٍ إلى مدخل الصالة الكبيرة، لالتقاط صُوَر، أو للحصول على توقيع.

هذه تفاصيل معروفة في مهرجانات دولية كثيرة، أبرزها "كانّ". لكن لـ"كانّ" وهجًا استعراضيًا أكبر، يبدو مهرجان كارلوفي فاري "غير عابئ" بمثله كلّيًا، من دون التغاضي عن دعوة نجومٍ، واختيار أفلامٍ لها "صدى جماهيري"، كالجزء الجديد من السلسلة السينمائية "رامبو" مثلاً.

دلالات

المساهمون