"عندما يروننا"... تحفةٌ فنية ضد العنصرية

"عندما يروننا"... تحفةٌ فنية ضد العنصرية

30 يوليو 2019
محاكمات للأطفال الأبرياء (فيسبوك)
+ الخط -
أطلقت شبكة "نتفليكس" مسلسلاً مؤلّفاً من أربع حلقات، اسمه "When they see us" (عندما يروننا). تأتي أهميّة المسلسل، في كونه يعيد إحياء تفاصيل وملابسات أشهر حادثة اغتصاب في ثمانينيات القرن العشرين في أميركا. إذْ تعرَّضت امرأة أميركيّة بيضاء، اسمها تريشا ميلي، في 18 إبريل/ نيسان عام 1989، إلى اعتداءٍ جسديّ واغتصاب، لمّا كانت تمارس الرياضة مساءً في حديقة "سنترال بارك" في مانهاتن الشمالية بنيويورك. عرفت الحادثة آنذاك في وسائل الإعلام الأميركيّة بـ"حادثة اغتصاب سنترال بارك"، وقامت الشرطة على إثر الحادثة باعتقال خمسة مراهقين: 4 منهم سودٌ أميركيّون، ومراهق مهاجر من أصلٍ إسباني. بعد تحقيق سريع موتور، يفتقر إلى أدنى درجات النزاهة والمهنيّة، مع حضورٍ شديد للنزعة العنصريّة البيضاء والتعميمات الهوياتيّة، تمّت إدانة المراهقين الخمسة بتهمة اغتصاب تريشا، وزجّوا في السجون، حتى تمّت تبرئتهم عام 2002، وتعويضهم بمبلغ 41 مليون دولار، عندما اعترف المرتكب الحقيقي، ماتياس ريس، بحادثة الاغتصاب، ضمن سلسلة جرائم كان قد ارتكبها. جزمت تحليلات الـ DNA للدم والسائل المنويّ الذي كان موجوداً في مسرح الجريمة، بأنّ ريس هو من فعل الجريمة، والمراهقون الخمسة أبرياء تماماً، ومن هنا تبدأ الفضيحة المؤلمة. 

بداية، علينا أن نقول إنّ المسلسل من حيث التركيبة والبنية والفكرة، يشبه تقريباً مسلسل "تشيرنوبل" الذي أصدرته شبكة HBO، إذْ يتناول "عندما يروننا" أيضاً حادثة حقيقية معروفة حصلت فعلاً، مع إضافة نكهة دراميّة تشويقيّة، لكن طبعاً، بعيداً عن الاختلاق أو الإضافة أو النقصان، لتزول الحدود الفاصلة بين الوثائقيّ والدراميّ. المسلسل من كتابة وإخراج الأميركيّة، إيفا ديفورني.

فوراً بعد أن جرت الحادثة في ذلك المساء الربيعي، داهمت الشرطة الأميركيّة الحديقة. وكانت المحققة الأميركيّة ليندا فيرشتاين مسؤولةً عن التحقيق، إذْ كانت تترأس وحدة الجرائم الجنسيّة في المدينة. اعتقلت الشرطة المراهقين الخمسة: أنتون ماكراي (15 عاماً) وكوري فيسي (16 عاماً) ويوسف سلام (15 عاماً) وكيفين ريتشاردسون (14 عاماً) وريموند سانتانا (14 عاماً). وجدير بالذكر أنّ يوسف سلام هو أميركي أفريقي مسلم. أمّا كوري فيسي، بسبب تجاوز الـ 16 عاماً، فقد فُصِل عن أصدقائه الذين دخلوا سجن الأحداث، وتم إيداعه سجن البالغين. مراهقٌ صغير بريء، يتم سجنه في أخطر سجن من سجون الولايات المتحدة الأميركيّة، حيث المجرمون والمغتصبون والقتلة واللصوص.

يتناول المسلسل ملابسات الجريمة، وطريقة تعاطي وسائل الإعلام الأميركية معها، والضغط العنصري الذي طبق على المراهقين من أجل الاعتراف، وتوقيعهم على أوراق لا يعرفون محتواها، وإقناعهم بأنّ اعترافهم سيعيدهم إلى المنزل. أكثر من 15 ساعة تحقيق متواصلة، بدون أي راحة، تعرّض فيها المراهقون إلى أبشع أشكال الضغط النفسي والعنف المعنوي والجسدي كما حصل مع كوري فيسي. اضطرّ بعدها الأطفال إلى الاعتراف بارتكابهم هذه الجريمة، وصوّرت اعترافاتهم في فيديوهات ركيكة تشبه تقريباً الطريقة التي ينتزع فيها النظام السوري الاعترافات من المتظاهرين السلميين على إعلامه الرسمي، وإجبارهم على القول إنهم "إرهابيون". تحوَّلت هذه الفيديوهات داخل المجتمع الأفريقي الأسود في الولايات المتحدة الأميركيّة، إلى دليل قاطع على العنصرية البيضاء التكوينية في الدولة الأميركيّة، ومؤسساتها التي تدّعي الحياديَّة.

ولكن من أقوى مشاهد المسلسل لقاء تلفزيوني مع الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب، أجراه بعد الحادثة، ودعا فيه إلى معاقبة "هؤلاء الوحوش"، أي الأطفال الأبرياء، في خطابٍ تفوح منه رائحة العنصرية والكراهيّة. ترامب دعا في لقائه إلى "إعادة حكومة الإعدام" إلى أميركا من أجل إعدام هؤلاء المراهقين. وتقوم المخرجة بإداخل خطابه التلفزيوني الحقيقي إلى أحداث المسلسل، بشكل مدوٍّ ومؤثر.




المساهمون