"العنقاء الداكنة" و"رجال إكس": ذكورية هوليوود ونسويتها

"العنقاء الداكنة" و"رجال إكس": ذكورية هوليوود ونسويتها

22 يوليو 2019
صوفي تورنر: في مواجهة ذكورية المرحلة (فيسبوك)
+ الخط -
تبدو النسخة الجديدة من X-Men (إكس مِن)، المنضوية في فئة أفلام "الأبطال الخارقين"، كأنّها تلتحق بموجة الحركة النسويّة الجديدة Me too. الأسباب عديدة، أولها العنوان، "العنقاء الداكنة The Dark Phoenix" (كتابة وإخراج سيمون كينبيرغ) وإنْ أُسند الدور إلى ممثلة بيضاء البشرة، هي صوفي تورنر. ثانيها سردية الفيلم، التي تضع المرأة في مقدّمة الرواية، فتلتفّ حولها الأحداث. ثالثها الإنتاج، إذْ حظيت 3 نساء بالأدوار الأساسية، فإلى جانب البطلة، أدّت جيسيكا تشاستن دور فوك (قائدة الكائنات الفضائية) وجينيفر لورنس (إحدى الممثلات الأعلى أجرًا) دور رافت داركولم ـ ميستيك.

بذلك، يبدو طاقم التمثيل من حيث التراتبية، على النحو التالي: 3 ممثلات مقابل 3 ممثلين، هم جيمس ماكفوي ومايكل فاسبندر وتي شيريدان.

تأويليًا، الفيلم ذو نزعة محافظة، بينما هوليوود (الفيلم من إنتاج "فوكس للقرن الـ20") تُساير التوجّهات الليبرالية للحزب الديموقراطي في الولايات المتحدة الأميركية، إلى حدّ الاصطفاف، مع دخول الجمهوري دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، حتّى صارت حفلة توزيع جوائز "أوسكار" منبرًا للسخرية منه، ولمعارضة سياساته.

من جهة أخرى، تسعى هوليوود إلى الربح، خصوصًا عند تمويلها أفلام إثارة وتشويق، فلا يعلو لديها أي اعتبار على حجم الإيرادات. لذا، تبحث عن رواية تخاطب مزاج أكثرية الرأي العام، أو تبعث رسائل متناقضة في مواقفها، لاستثمار الاستقطابات السائدة، كما في "العنقاء الداكنة".
تدور القصّة حول جاين، التي تملك منذ صغرها قوى خارقة للطبيعة، من دون أن تُحسن السيطرة عليها، ما يجعلها سببًا لمقتل والدتها، فيتبرأ والدها منها، "واهبًا" إياها لرئيس فريق "إكس مان"، الذي يرى فيها موهبة ربما تُنقذ العالم إنْ أُحسن توجيهها، فيُصبح وصيًّا أبويًا بطركيًا عليها.

"إكس مِن" فريق تدخّل كونيّ سريع، تابع لوكالة الفضاء "ناسا". مهمّته مواجهة أيّ عدوان آتٍ من خارج الكوكب، يضم، مناصفة، 3 شابّات (بينهنّ جين)، و3 شُبّان. كلٌّ واحد منهم يمتلك قدرة خارقة، ويتميّز بالقتال والتدمير عن بُعد، ما يبدو إسقاطًا رمزيًا لعقيدة الحرب الأميركية المعاصرة، التي تتجنّب الاشتباك المباشر، متّكلة على الطائرات والصواريخ المُسيَّرة، وبِدع الذكاء الاصطناعي.

يُكلَّف الفريق بمهمة تحرير مكوك فضائيّ من إشعاع شمسي، فتستبسل جاين لإنقاذ آخر الضحايا، ما يُعرّضها لجُرعة هائلة من الوميض، تمنحها قوّة تُغيّر مجرى الأحداث. يُختتمُ المقطع بسجال نسوي بين ميستيك والرئيس X، تُؤنّبه فيه على زجّ الفريق في التهلكة، مشيرةً بسخرية إلى الدور المتقدّم للفتيات في فريق يحمل اسم X-Men، أي "رجال إكس".
الاستعراض النسوي ينتهي، فتتوالى ترميزات وتنميطات، محمَّلة بدلالات ذكورية. جبروت جاين يُخرجها عن السيطرة. البروفسور X، رئيس الفريق، لم يعد يُحسن توجيهها بعد تمرّد ذكرياتها عليه. التمكين يُسبِّب وبالاً على الفريق/ المؤسسة، كأنّ المرأة إنْ يُطلب منها التمكّن، لا تُحْسِنه ولا تسيطر عليه ولا تتحكّم به.

مع سعي جاين إلى لجْم قواها الخارقة، وتسخيرها للخير لا للشرّ، تبدأ الحبكة. صُمِّمت مَشاهد القتال ضد جحافل العتاة من الغرباء بأسلوب يذكّر بثلاثية "ماتريكس" للثنائي واتشوفسكي، المُنجزة بين عامي 1999 و2003، حيث سيولة الأجساد وليونتها ومنعتها في مواجهة الرصاص، ما يُحقِّق، بالحركة أو الوظيفة، وحدة عضوية بين الآليّ والمعدنيّ.

تُحاك شخوص الغرباء من خيال التنميطات الهوليوودية المألوفة. مسوخ فضائية تتجسّد في بشرٍ يتكلّمون لغة "طلسمية"، لحروفها مخارج تُشبه اللغة الروسية، إيحاءً بالمعسكر الشرقي المعادي للولايات المتحدة الأميركية، زمن الحرب الباردة. مسوخ تقود عساكرها امرأة، ينتهي الفيلم بمنازلة تجمعها بجاين، في تنميط ذكوري آخر، يصوّر عراكًا بين النساء.

تعيش البطلة/ المرأة معضلة حيازتها القوّة. هذه مكانة مُتقدّمة، تضعها في صدام مع فريق "إكس مِن" (رمز المؤسسة)، وتستدعي منها العزم على إنهاء غطرسة البروفيسور X، وسيطرته على أعضاء الفريق، بتوجيه أدمغتهم، وتزييف ذاكرتهم. في المقابل، تعجز البطلة عن معرفة أسباب قوّتها، وتُقصِّر في التحرّر من سطوة البروفيسور، أو من تربّص الغرباء بها.

تتحالف جاين مع زعيم صعاليك يسكنون الأدغال، في تنميطٍ هوليوودي آخر مألوف، مستمدّ من التراث الأنغلوساكسوني (روبن هود). المرأة غير قادرة لوحدها على هزيمة الغُرباء، والانقلاب على سلطة البروفيسور انتقامًا من تزييفه ذكرياتها. بذلك، تؤسّس تحالفًا لقوى الخير، يُذكّر بعقيدة الحلف الضامن للسلم والأمن العالميين، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية (باكس أميركانا).

النكوص عن الواجهة النسوية المعلنة، والعودة إلى مضمون الرسالة التقليدية المُحافظة، يبرزان قبيل النهاية. ففي مكاشفة استبطانية بين جاين ـ البطلة الخارقة وجاين ـ الطفلة الصغيرة، بعد تحرير ذاكرتها من سطوة البروفيسور X، تُخاطب الثانيةُ الأولى: "عليّ التضحية في سبيل العائلة". تنتهي الملحمة بموت جاين، ومقتل الغريمة الشريرة.

يُقدِّم النصُ جاين قربانًا، بدلاً من أن يجعل فائق وميض الشمس منها سيّدة وقائدة، في دلالة نهائية على وظيفة المرأة، المُختصة في التضحية من أجل "العائلة/ المؤسّسة". تتحوّل جاين إلى عنقاء شمسية، تجوب السماء، ويُصبح مشهد الختام لرجلين (البروفيسور X وزعيم الصعاليك) يجلسان في مقهى، ويستعدّان للبدء بلعبة الشطرنج، تكريسًا نهائيًا للتسيّد الذكوري.

يقدّم "رجال إكس" المرأة عنقاءً ترتقي من الرماد وتُحلّق في الأعالي شمسًا جديدة تُضيء الحياة. هذا يوحي كأنّ المقبل من السلسلة سيحمل عنوان "نساء إكس". أما العمق، فيخفي نواة تقليدية صلبة للمجتمع الأميركي، المُحافظ والمُتمسّك بمؤسّسات فيها تراتبية بين الجنسين، ما يجعل الخطاب النسوي الراهن اصطفافًا حزبيًا، يعجز عن إحلال مساواة جنسية حقيقية.

المساهمون