موريس... ديك في قفص الاتهام

موريس... ديك في قفص الاتهام

21 يوليو 2019
الديك موريس (كزافييه ليوتي/ فرانس برس)
+ الخط -
عرفت أوروبا في القرون الوسطى محاكم للحيوانات، إذْ تم اتهام حيوانات بجرائم تشابه تلك التي يتهم فيها البشر، ثم وضعها في قفص الاتهام ضمن قاعات المحكمة كأنها أشخاص. كان لهذه الحيوانات محامون يدافعون عنها في جرائمها التي تضمنت إما أذية البشر أو حيوانات أخرى كمحاكمة بقرة أو كلب، أو تلك التي يحاكم فيها مجموعة من الحيوانات، كالجراد والحلزونات في الجرائم ضد المحاصيل. وعادة يكون الحكم بالموت، لكن ليس في كل الحالات، فحتى الآن ما زالت الحيوانات تظهر ضمن قضايا قانونية تتعلق بالميراث أو الملكيّة. كما في قضية الكلب "ترابل" الذي تركت له صاحبته 12 مليون دولار في وصيتها، وتم تخفيضها إلى مليونين، بعد أن اقرت المحكمة عام 2008 أن صاحبته لم تكن بحالة عقلية مناسبة حين كتبت الوصية. 

مؤخراً، قام زوجان بتقديم شكوى لمحكمة "روشفورت" غربي فرنسا ضد الديك "موريس" وصاحبته، والسبب أن موريس "يسبب إزعاجاً غير طبيعي للجيران"، لأنه يصيح بوقت باكر جداً كل صباح، حوالي الساعة السادسة، وهذا ما لا تستوعبه كورين فيسو، صاحبة موريس والتي تقول إن الزوجين اللذين تقدما بالشكوى، لا يسكنان سوى أسبوعين في المدينة طوال العام، ولا أحد من الجيران اشتكى من قبل بسبب موريس.

الضجة التي اكتسبتها المحاكمة والتي وصلت إلى الولايات المتحدة، تخفي وراءها صراعاً بين شكلين من الحياة، بين فرنسا الزراعية التي ترى أن حيوانات المزرعة أمر طبيعي وجزء من التاريخ، وبين فرنسا البورجوازية، وأولئك الأغنياء القادمين من المدن والذين يصيّفون لبضعة أسابيع في الريف ثم يغادرون. ويريدون أثناء هذه الأيام فرض قواعدهم على السكان الأصليين. هذا الاختلاف، يرى فيه عمدة مدينة سانت بيير دوأرليان التي يقيم فيها موريس تهديدًا لقيم المكان وتاريخه. فبعض الزوار مثلاً، أرادوا ألا تقرع أجراس الكنيسة لأنها تزعجهم، والآن يريد هذان الزوجان أن يسكتا الديك.

الزوجان المتقاعدان اللذان رفعا الدعوى، جان لويس بيرون وجويل أندريو يصران على أن المدينة حضرية، وليست زراعيّة، ولا مكان للديك فيها. ويقولان إنهما بنيا منزلهما منذ خمسة عشر عامًا، ولم يبدأ الإزعاج إلا حين بنت السيدة موسو قن الدجاج عام 2017، والقضية تتعلق حصراً بالضجيج والإزعاج. هما لا يريدان موت الديك، بل فقط إبعاده، ما دفع صاحبته لإطلاق عريضة لدعم الديك، وحصلت على ما يزيد على مائة ألف توقيع لدعمه وحمايته، بل إن عمدة مدينة جيروند، برونو دبونيس طالب بجعل ضجيج الريف جزءاً من التراث الوطني الذي لا يمكِن المساس به، خصوصاً أن صاحبة موريس تقول إنه لم يعد "يغنّي" كما كان يفعل من قبل.

في يوم المحاكمة، لم يأتِ الزوجان المُدّعيان، وأكد المحامي في رد تقليدي ومبتذل، أن الموضوع يتعلق بالضجيج، وحرية الفرد تقف عندما تمس حرية الآخرين، والأهم أن موكليه لطالما عاشوا في تناغم مع جيرانهم. ويضيف أن هذه مسألة يجب أن تحل على الغداء، لا في المحكمة. وطالب بتعويض عطل وضرر مقداره ألف يورو، أما الحكم فلن ينطق إلا في الخامس من سبتمبر/أيلول المقبل.

موريس ليس الأول، والمحكمة سابقاً وقفت ضد الحيوان. فقبلها تم إبعاد الديك كوكو من مكانه، ودفع أصحابه غرامة مقدارها 200 يورو. لكن السؤال لا يتعلق حقيقة بالديك، بل بشكل الحياة ذاته، وكيف تحاول فئة متنفذة أو ببساطة تمتلك الوقت والمال لإعادة تكوين قرى ومدن هامشيّة بما يتوافق مع "راحتها" في تجاهل كليّ لخصائص المكان. ولا نقصد هنا قسوة كلمة استعمار، بل ذاك التسلسل الرقيق عبر المال الذي تتحول إثره قرية أو مدينة صغيرة إلى مصيف للأغنياء لبضعة أسابيع في العام، يريدون فيها نسف خصائص المكان وتراثه. فالأمر الذي يبدأ مع الديك، يمتد عادة إلى الطرقات والأبنية والمزارع، لتحتل البنوك وسلاسل المحلات الواجهات مستبدلةً الدكاكين الأصلية وأصحابها المتواضعين.

دلالات

المساهمون