صورة السيّد الرئيس السابق: ساركوزي أطول أم أقصر؟

صورة السيّد الرئيس السابق: ساركوزي أطول أم أقصر؟

20 يوليو 2019
صورة المرأة بوصفها أقل موجودة في تاريخ الفن (Getty)
+ الخط -
أثار مؤخراً غلاف مجلة "باري ماتش" الفرنسية جدلاً وسخرية واسعةً على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي. على الغلاف، نرى صورة الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي متكئاً على كتف زوجته عارضة الأزياء والمغنية الإيطاليّة كارلا بروني؛ ما أثار موجة من الانتقادات بسبب ظهور ساركوزي أطول من بروني، خصوصاً أن ساركوزي كان دائماً محط سخرية (تافهة) من الصحافة بسبب قصر قامته، هذا ما دفع المتابعين لمحاولة تخمين الوضعية التي أخذت فيها الصورة وظهر فيها ساركوزي أطول، فهل كان يقف على كرسي، أو هي تقف على ركبتيها، أو ببساطة الصورة معدّلة؟
سبب الصورة هو بورتريه في المجلة عن ساركوزي إثر صدور سيرته الذاتيّة "Passions" التي يتحدث فيها عن عمله السياسي في فرنسا خلال 30 عاماً، وإثر موجة الانتقادات والسخرية، صرحت المجلة علناً أن صورة ساركوزي وزوجته لم تخضع لأي تعديلات، والصورة التي تم اختيارها التقطت في مدخل منزلهما في باريس، حيث كانا يقفان على درجات الحديقة، وساركوزي يقف على درجة أعلى من تلك التي تقف عليها زوجته أثناء نزولهما.
ردّ المجلة يبدو ساذجاً، خصوصاً أن لساركوزي تاريخاً من المشاجرات مع المصورين الصحافيين وتوجيه الإهانات لهم أثناء تجاهلهم إياه، بل إنه اتهم بعضهم بأنهم متحرشون بالأطفال. كما أن المصور ذاته الذي التقط صور "باري ماتش" والمقرّب من ساركوزي وزوجته، اتّهم مرة بأنه يهدد صحافيين من صحيفة "لوموند" بسبب عملها على تحقيق يدين ساركوزي إثر ظهور اسمه في تسريبات سويسرا.

صورة المرأة بوصفها أصغر، أقل، أدنى، موجودة في تاريخ الفن وما زالت إلى الآن قائمة في الكثير من أشكال تمثيل صورة الرجل وعلاقته مع المرأة. لا نتحدث هنا عن الأمر بوصفه مشابهاً للوحة أندريه برويت الشهيرة لغرفة في مشفى سالبترير عام 1887، والتي يشرح فيها الطبيب جان مارتان شاركوت أعراض الهيستيريا وهو يمسك امرأة شبه مغمية بين يديه، بل تلك الصور التي تبدو عادية التي تختزل علاقات القوة بين الجنسين، خصوصاً في مجال السياسة.
ففي صورة بروني، المثير للاهتمام أنها لا تدين لساركوزي بشيء، أي أنها امرأة مشهورة من قبل زواجها منه، وعملت عارضة أزياء ومغنيّة من دون أي مساعدة من ساركوزي، بل يقال إن الأخير تزوجها لتحسين صورته، بالتالي الشكل الذي تبدو فيه أقل أو أقصر ليس إلا شكلاً من أشكال الخضوع والهيمنة الجسديّة البحتة، بغض النظر عن اللحظة العفوية التي تبدو في الصورة.

يصل البعض في تحليل الصورة إلى أنها نوع من الخضوع الجسديّ الكلي، والأهم العفوي، الذي تقبله المرأة وتتبناه، فشكل وجه بروني المرتاح على كتف ساركوزي مع الابتسامة، أشبه باستسلام كلي ممزوج بالطاعة والتسليم بقدرته، وهذه ليست المرّة الأولى التي يظهر فيها "كلارا وساركو" بهذا الشكل على غلاف مجلة "باري ماتش"، حيث هناك دوماً نوع من الخضوع الجسدي الذي يظهر على جسد كلارا، بوصفها متممة أو مكملة لـ"ساركو" رجل السياسة القوي، لتبدو هي كزوجته اللطيفة الجميلة التي تنصاع لإيقاع جسده وتتعلق على أطرافه.
يظن البعض أن هذه التحليلات مبالغ بها، لكنها حقيقية بوصفها جزءاً من تاريخ هيمنة طويل على أشكال تمثيل المرأة التي ترضى بمكانتها ودورها، فالصورة هنا لا تكتفي بنقل "معلومة" أو "حدث"، بل هي مؤشر ذو قيمة رمزية على مجموعة الوضعيات والأدوار بين "رجل السلطة" و"المرأة".
هذه الصورة ترسخ فكرة "الرجل" العظيم، حامي المرأة التي لا بد لها أن ترتاح على كتفه، لتكون هي أيضاً شكلاً من أشكال مكاسبه ووسيلة الترفيه عنه والتقليل من جديّة العالم ومعاركه. تعيدنا الصورة هذه إلى التقليد الروماني وأساليب تصوير الملوك والسادة، حيث الجسد الرياضي، الممتلئ بالعضلات، المُحاط بالحسناوات، خصوصاً أن جسد السيد هو جسد سياسي وبشري يمثل السلطة وفي ذات الوقت الحياة العاديّة، وفي كليهما عليه أن يظهر خارج العرف التقليدي، هو جسد رياضي ممتلئ كصدر ساركوزي، "تنهار" عنده الزوجة، وتتماهى معه من دون التأثير على حوافه واستقلاليته، هو ثابت لا يمكن استبداله، ويبقى حاملاً لخصائص السطوة حتى لو كان بدون أي منصب.

المساهمون