محمود سلمي: حكاية التوزيع الموسيقي في غزة

محمود سلمي: حكاية التوزيع الموسيقي في غزة

20 يونيو 2019
أنتج عدداً من الأغاني الخاصة بالشهداء والجرحى (العربي الجديد)
+ الخط -
لم يستسلم الفنان الفلسطيني محمود سلمي لواقع الموسيقى البائس في فلسطين في تسعينيات القرن الماضي، بل على العكس اتخذ قراراً شجاعاً بافتتاح استديو تسجيل خاص به، ليكون بذلك واحداً من أوائل الاستوديوهات الموسيقية في قطاع غزة. 

ويعتبر سلمي الذي يقطن حي الزيتون شرقي مدينة غزة، من أشهر الموزعين الموسيقيين، ومرجعاً هاماً لمعظم الفنانين والمغنين وشركات الإنتاج الفنية والموسيقية والإعلامية، في المدينة المُحاصرة.
ويختص الموزع الموسيقي بعدد من الفنون المتفرعة من الموسيقى، إذ بدأ مسيرته الطويلة بالغناء، والعزف، إلى أن قرر ومجموعة من الفنانين الفلسطينيين، صناعة محتوى جديد للأغنية الفلسطينية، كنوع من أنواع إيصال الرؤية الفنية الفلسطينية.
ويقول سلمي (39 عاماً)، وهو خريج بكالوريوس إدارة، ودبلوم تربية موسيقية من كلية تربية الموسيقى في جامعة حلوان المصرية إن قصته مع الفن بدأت منذ الرابعة عشرة من عمره، حين التحق للغناء بفرقة Heart to heart.
ويضيف لـ "العربي الجديد": كنا نُغني من خلال فرقة الكورال المكونة من 15 شخصاً في المدارس والاحتفالات والمخيمات الصيفية ومختلف الأنشطة والفعاليات المجتمعية في قطاع غزة، ونركز في أغانينا على الأعمال التراثية والفلكلورية الفلسطينية، مثل "وين ع رام الله، جفرا، الدلعونا، ظريف الطول".
في سن الثامنة عشرة من عمره، قرر الانطلاق منفرداً، فأنشأ عام 1994 فرقة أطلق عليها اسم "أنغام" مكونة إلى جانبه من ستة عازفين، كان هو المغني الأساسي فيها، واشتهرت في مختلف الاحتفالات، والمناسبات المجتمعية والعائلية والشخصية والوطنية.

انتقل سلمي في العام التالي للعمل ضمن مؤسسة رسمية تابعة لسهى عرفات، أرملة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وتسمى "فلسطين المستقبل"، وكانت تعنى بذوي الاحتياجات الخاصة بهدف الترفيه عنهم والعناية بهم، وقد حقق نجاحاً كبيراً آنذاك، وشارك في عدد من المناسبات الوطنية الداخلية والخارجية.
أما عام 1996، فتوجه سلمي لدراسة الإدارة حتى عام 2000، ومن ثم توجه إلى مصر للحصول على دبلوم التربية الموسيقية، وبعدها إلى الإمارات لمدة عامين، وعاد مجدداً إلى قطاع غزة عام 2005، لينشئ استوديو منزليا، كان من أوائل الاستوديوهات الذي شهدها قطاع غزة.

وعن تفاصيل ذلك الاستوديو، يوضح أنه بجهد خاص، وإمكانات بسيطة ومتواضعة، بدأت بـ "كرت صوت، سماعتين، برنامج توزيع موسيقي عادي"، شارحاً أن تلك الفترة لم تشهد وعياً وإدراكاً لقيمة التوزيع الموسيقي، ما دفعه وعددا من زملائه للتعرف على الكُتاب، والملحنين، بهدف صناعة الأغنية الفلسطينية، ويقول "صار بدنا أغنية فلسطينية بحتة".

وأنتج سلمي عدداً كبيراً من الأغاني الخاصة بالشهداء والجرحى، كذلك الأغاني الوطنية، والأغاني الاجتماعية إلى جانب صناعة الموسيقى التصويرية الخاصة بالأفلام الوثائقية والمسلسلات الإذاعية، وتترات البرامج والتسجيل والتعليق الصوتي.
وابتكر فن الإعلانات الإذاعية المُغناة الذي لم يكن موجوداً في القطاع، كما عمل على تنفيذ أول مسلسل إذاعي في غزة، وهو مسلسل "الصراع" كان يجسد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إلى جانب مسلسلات متنوعة. كذلك صنع برفقة عدد من الفنانين الفلسطينيين مجموعة أوبريتات فنية، مثل أوبريت "عائد" الخاصة باللاجئين الفلسطينيين، كذلك أوبريت "القدس عاصمة الثقافة العربية" ومجموعة أخرى تحاكي الثوابت الفلسطينية وعلى رأسها قضايا الأسرى، اللاجئين، والقدس.

وعمل سلمي والذي يعتبر بمثابة الجندي المجهول خلف عدد كبير من الأعمال الفنية الفلسطينية، على التوزيع الموسيقي لعدد من الفنانين الفلسطينيين، والفرق الفلسطينية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، ومختلف المدن الفلسطينية، من بينها فرقة فتافيت، المطرب ناصر الفارس، والمطربان محمد عساف ونادر حمودة.

ويقول سلمي وهو صاحب أغنية "فلسطين يا أرض الهدى" إن: الهم الوحيد الذي كان يعترينا هو إثبات أن الشعب الفلسطيني قادر على صناعة الأغنية التي تحاكي واقعه، ولدينا رصيد غني من الحضارة والتراث التي تعيننا على ذلك، مؤكداً على أن الفن هو القوة الناعمة التي تساند البارود.
ويشكل انعدام التسويق للفنان والمنتَج الفني الفلسطيني أبرز العوائق التي تساهم في الحد من انتشار تلك الأعمال الفنية الفلسطينية، إلى جانب الانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي، ما يفسد خطط العمل بشكل دائم.

ولا ينكر الفنان سلمي التأثير الكبير الذي يسببه العائد البسيط الذي يحظى به الموزع الموسيقي الفلسطيني مقارنة بأقرانه في الدول الأخرى، علاوة على عدم انتشار ثقافة احترام الفن بشكل كبير، إذ يعتبره الجمهور أمراً ثانوياً، وليس أساسيا، على الرغم من أنه يساند مختلف الشرائح المجتمعية، في كل المناسبات.
إلا أن الموسيقار الفلسطيني عاد ليؤكد أنه لا يزال يعمل في مجاله منذ 22 عاماً دون تراجع، بسبب عشقه له، مختتماً بالقول: "لا أعتبر التوزيع الموسيقي وصناعة الأغاني والأعمال الفنية عملاً للحصول على المال فقط، إنما هو هوايتي التي أمارسها عن عشق".

المساهمون