7 وصايا لغييرمو دِلْ تورو: الأفلام للعيون

7 وصايا لغييرمو دِلْ تورو: الأفلام للعيون

10 يونيو 2019
غييرمو دِلْ تورو: "الفشل مهمّ للفنّ" (فيسبوك)
+ الخط -
عند الوقوف على حسّ الفكاهة لدى غييرمو دِل تورو، والرهافة المفرطة لإحساسه، يصعب تصديق أنّه هو نفسه مخرج الأفلام سوداوية الطّابع، والغارقة في استكشاف الجانب المستوحش لدى الإنسان، والكوابيس الزّاخرة بالكائنات الخرافية.

نقاش جانب الهوس بالوحوش، والرغبة في اختبار الغيرية إلى أبعد مدى، استأثرا بالحيّز الأكبر من لقاء معه، أثناء الدورة الـ17 (30 نوفمبر/ تشرين الثاني ـ 8 ديسمبر/ كانون الأول 2018) لـ"المهرجان الدولي للفيلم بمراكش". لقاء مع سينما المخرج المكسيكي، أدارته الناقدة الأميركية كيم مورغان (المُنكبّة، رفقة دِل تورو، على كتابة سيناريو فيلمه المقبل).

مخرج "متاهة بان" سخيٌّ للغاية في اللقاء. لم يتردّد عن إغداق النصائح على المخرجين الشباب، حول أبرز الخلاصات التي خرج بها من مساره الغنيّ. هنا بعض أهمّ هذه الدروس:

(*) لا فنّ من دون مفارقة
"أعتقد أن الفنّ كلّه مفارقة. من دون مفارقة، لا يوجد فن. لطالما أحببت الـ"آيس كريم". له لذّة خاصّة، لأنه غير متواجد في الطبيعة، فهو مزيج من الدهون والحلويات. عمّي غييرمو (سُمّيت باسمه) تجسيدٌ للمفارقة في حياتي منذ طفولتي. كان دائمًا ينقذني من جدّتي، التي حاولت إخضاعي لجلسات طرد الأرواح الشريرة مرّتين، ويأخذني لمُشاهدة الأفلام. روح الفنّ الحقيقي مزيج من الجمال والقبح. لدى الشعب الياباني تعبير عن هذا "وابي - سابي": "البحث عن الجمال في عدم الاكتمال". أعتقد أن جوهر الفنان هو تحقيق التوافق مع كلا الجانبين، والبحث عنهما في دواخله، وفي العالم. أعتقد أن هناك اليوم ديكتاتورية لا تطاق، بخصوص النجاح والكمال، ما يجعل الجميع غير سعداء. أظنّ أننا يجب أنّ نحبّ بعضنا بعضًا بناءً على مدى فشلنا، لا على مدى توفّقنا. في "شكل الماء"، حرصت على أن يُمارِسا الحب بعد أنْ يلتهم المخلوق القط، لا قبل ذلك، لأني أعتقد أننا جميعًا، عندما يتعلق الأمر بالعلاقات، نأكل القط في لحظة أو أخرى. وكلّما أكلنا القط باكرًا، كانت فرص الحبّ أفضل".

(*) الاهتمام بجانب التشكيل
"في صناعة الأفلام، هناك جانب يتعلّق بالموسيقية والتشكيل لا نهتمّ به كثيرًا. في الثقافة السينمائية، هذا المستوى ضعيف للغاية، لأنّنا نميل ـ خلال مناقشة الأفلام ـ إلى الحديث عن الحبكة والشخصيات والبنية. تنظر إلى لوحة لفان غوغ، وتتخيّل أنّ شخصًا لم يرها يسألك عنها، كما نفعل مع الأفلام. تُجيبه: "إنها تدور حول ورود في مزهرية"، فيقول: "حسنًا. لا أعرف ما إذا كنت سأذهب لمُشاهدتها". هكذا نتحدّث عن الأفلام. مناقشة الحبكة والشخصيات فقط، تعني أننا لم نناقش الفيلم حقًا. عندما تنظر إلى لوحةً، تُشاهد الخطوط وتدرّج الألوان، وتتذوّق لمسة فرشاة الطلاء ودقّتها، ثم ترجع إلى الوراء وتستمتع بالتشكيل".

(*) لا تخشَ العاطفة
"أفكّر في حالنا اليوم. وصلنا إلى نقطة من إنسانيتنا، هي "مرحلة ما عبر – الإنسانية (ترانسيمانيزم)"، ولم ندرك ذلك بعد. لدينا نوعان من الحسّ بالذات: ذواتنا الخاصة، وتلك المتعلّقة بوسائل التواصل الاجتماعي. لدينا شخصية منقسمة حرفيًا، والأكثر رعبًا هو أنّ الشيء الذي يجعلنا نخاف تمامًا الآن هو العاطفة، التي تجعلنا مستباحين تمامًا، ومع ذلك فإنّها الشيء الوحيد الذي يجعلنا بشريين تمامًا. صنعت "شكل الماء" وأنا أعاني مشاكل صحّية، ظننتُ معها أنّي أموت حقًا. أتساءل: أيُمكن أن يرتكز الحبّ على حبّ الآخر والتعرّف في داخله على ما يعبّر عنّي، وما لا يعبّر عنّي؟ وبالتالي، يعبّر عن الإله؟ أعظم عربون محبّة هو رؤية الآخر، وأن يراك الآخر بدوره ضعيفًا كما أنت. هذا مُلهم بالنسبة إليّ، إلى درجة أنه يحمل الدموع إلى عينيّ الآن. رغبتُ في عمل فيلم عن ذلك بأيّ ثمن".

(*) الرؤية أثمن ما يُقدَّم للجمهور
"بالنسبة إليّ، العينان هما الجزء الأكثر حميمية في جسم الإنسان، والأكثر تعبيرًا. الأفلام تُصنع للعيون، نقطة على السطر. إنها منسوجة من أشخاص ينظرون إلى أشخاص آخرين وأشخاص يتطلّعون إلى شيءٍ ما. كلّ ما نقدّمه للجمهور هو نظرتنا الخاصة. كلّ واحد منّا ينظر إلى العالم بشكل مختلف عن أي شخص آخر. يمكننا جميعًا أن نشهد الحدث نفسه، لكنّنا سنعيشه بشكل مختلف تمامًا، اعتمادًا على من نحن، وماذا نفعل. في كلّ ما نقوم به، حتّى الطريقة المعتادة في حياتنا اليومية، هناك طقوس وابتهال. عندما ينبغي لنا أن نكون صامتين فهذا طقس، والطريقة التي نتحدّث بها هي ابتهال. كلّ شيء نفعله له قوة رمزية، وعندما نتحدّث، نستحضر تصوّرًا معيّنًا للواقع، يُحوّل كلّ شيء من حولنا. فعل الرؤية جوهر الابتهال، وهذا أثمن ما نقدّمه للجمهور".


(*) العقبة هي الطريق
"يكمن الواقع برمّته في الأسلوب. الأسلوب هو الواقع. لدى الأسلوب طريقة خاصّة في توليف الأشياء وتكثيفها. عندما أكثِّف شيئًا ما، يستحيل أن أجعله مصطنعًا. هذه حقيقة الفنّ بالنسبة إليّ. قال هيتشكوك: «لكي تكون كونيًا، عليك أن تكون دقيقًا". يسألني مخرجون كثيرون: "كيف يمكننا أن نكون كونيين؟". جوابي: "كونوا حقيقيين فقط". البعض سيتفاعل معك، والبعض الآخر لا. يجب أن تثق بالأشياء التي تخيفك كمخرج شاب. الفضيلة عيبٌ لا يُنظَر إليه بلطف. كوبريك مثلاً: إذا عدت إلى "خوف ورغبة"، بطريقة ما بدائية للغاية، فإنّ كلّ شيء سيصنع فيما بعد. أسلوب كوبريك موجود فعلاً في هذا الفيلم. هناك قول عظيم: "العقبة هي الطريق". لا تتجنّب الأشياء التي تكون حقيقية بالنسبة إليك، وإنْ بدت غير صحيحة لأنّها ستصنع أسلوبك".

(*) ثَمِّن فشلك
"الفشل مهمّ للغاية بالنسبة إلى الفن. الفشل هو الوقود. النجاح هو الفرامل. نحن بحاجة إلى قبول الفشل والتعلّم منه. نعم، الفشل جحيم. يؤلم كثيرًا. لكن عليك الاعتزاز به. المسار المهني في السينما شبيه بحادثة سير بحركة بطيئة: من الخارج، ترى الأمور تسير بسرعة (يصدر أصوات اصطدام)، لكنْ داخل السيارة، تكون الأمور في حالة حركة بطيئة للغاية. 3 أعوام: يرتطم رأسك بسقف السيارة. عامان: يصطدم كتفك بزجاج النافذة. عام ونصف العام: تنفتح الوسادة الهوائية. يبدو مجال السينما أشبه بعالم أحلام من الخارج، لكنّه قاسٍ وصعب للغاية من الداخل. إنجاز فيلم يبدو أحيانًا كتناول "سندويش براز". آسف لقول هذا، لكن هذه هي الحقيقة".

(*) الاختيارات كلّها مهمّة
"في صناعة الأفلام، الاختيارات كلّها مهمّة. الفرق بين استعمال عدسة ما وأخرى كالفرق بين مجرّة وأخرى. أتعامل مع الكاميرا بالطريقة نفسها التي يتعامل بها الكاتب مع آلته الكاتبة: عدسات وحركات تزوّدك بأحرف مائلة، وبعض آخر يُعطيك حروفًا كبيرة، وبعض ثالث يمنحك تسطيرًا. هذه كلّها قرارات يجب اتّخاذها. ينبغي تجنّب فعل ذلك بشكل اعتباطي. عندما تأتي إلى البلاتوه، هناك 115 مكانًا خاطئًا لوضع الكاميرا، ومكان واحد مناسب فقط. في عملية الكتابة، يمكننا تجربة هذه الحقيقة نفسها، لكن بشكل مختلف. لنأخذ العنف مثلاً: هناك عنف سينمائي لا يجعلك تشعر بشيء. يمكن للممثل أن يلعب ألمًا كبيرًا، لكنّك لا تشعر به. أما عندما يُوجَّه العنف إلى جزءٍ غير اعتيادي من الجسم، إصبع الكولونيل ستريكلاند (مايكل شانون) في "شكل الماء" مثلاً، يحدث التعاطف. أنصحكم بشيء كمخرجٍ: كلّما تختارون، أيًا يكن الخيار، خذوا ذاك الذي يأتيكم فورًا، ثمّ فكّروا في الخيار المعاكس له تمامًا. في المنتصف، تجدون الحلّ".

المساهمون