"شيخ" الدراما السورية

"شيخ" الدراما السورية

24 مايو 2019
يعتمد على إيحاءات مختصرة في أدائه (فيسبوك)
+ الخط -
تتمثل الجوانب المُقنعة في الأعمال الدرامية المصورة بالممثلين أولاً، والمعالجة الدرامية من حيث تحليل الشخصيات وتطورها وصراعاتها، وأيضاً من ناحية البناء الدرامي. في خضم الحرب السورية، حافظ بعض الممثلين على جوانب هامة في الأدوار التي لعبوها على الشاشة، فيما اتجه آخرون إلى الملعب التجاري الذي يتماشى مع الظروف السياسية المحيطة بهم.

يعترف الممثل السوري سلوم حداد، في تصريح له صدر قبل أيام، بأنه اضطر إلى المشاركة في مسلسل "الأخوة" (عُرض عام 2014)، وهو لم يكن راضيًا بالكامل عن المسلسل، في إشارة من حداد إلى مستوى النص وحضور مجموعة ممثلين من جنسيات مختلفة، من دون تبرير لاجتماعهم في مسلسل يستند إلى مفهوم الأخوة، ضمن العائلة الواحدة. لكن ورغم مراجعة حداد لنفسه، حقق العمل مزيداً من النجاح وفتح قابلية المنتجين لبلوغ أو فتح الباب أمام ما يُعرف اليوم بالدراما العربية المُشتركة. اليوم، يُجسّد سلوم حداد دور "الشيخ جليل" في مسلسل "عندما تشيخ الذئاب"، قصة الروائي الأردني الراحل جمال ناجي، وإخراج عامر فهد.

لا يهادن بطل "الزير سالم" (إنتاج سنة 2000) على معظم الأدوار التي يلبسها. يملك سلوم حداد من الذكاء ما يكفي لتكوين رؤية واضحة عن الشخصية المحورية التي يقبل عليها، يعطيها أحيانًا أكثر مما تتطلب أو تستحق، ويصل مرات إلى درجة التفوق. لعل حدّاد من أكثر الممثلين السوريين اليوم تماسكًا، مسيطرًا على الشخصيات مهما تطلّب الدور من تقنية، أو إخراج الظل من الورق إلى الشاشة الصغيرة.

في العودة إلى دور الشيخ عبد الجليل، بطل رواية "عندما تشيخ الذئاب"، يقول سلوم حداد، في تصريح متلفز، إنه لم يكن يعرف الكاتب الراحل جمال ناجي، ولم يقرأ له من قبل، وحزن كثيراً لرحيله عندما اشترت شركة الإنتاج حقوق الرواية وقررت تحويلها إلى مسلسل، لكنه قرر تحدي نفسه أمام التطرف برؤية تتماهى مع الواقع.
تعود حقبة "عندما تشيخ الذئاب" إلى نهاية الثمانينيات، وتلبس تحولات سبقت فترة التسعينيات. الإطار اجتماعي سياسي، لكن الظرف يبقى واحداً حين يتعلّق بمجموعة حيوات وقصص الممثلين، لنجد أنّ حكاياتهم تتقاطع وتلتقي في كثير من المواقف، مهما اختلفت السياقات.

التركيز يكمن في استغلال حداد لنفسه، عبر تقنية متمرسة في الأداء، معتمداً على إيحاءات مختصرة، من دون أي مبالغة، إذ تبدو كافية لتحاكي تلك الأيام، والأثر السلبي لبعض رجال الدين على المجتمع. لعلّ الفساد هو التوصيف الأدق في وصف الحالة التي يتحايل عليها "الجنزير" (اسمه قبل أن يضع العمامة، ويصبح واحداً من شيوخ الطرق).

ماكياج ومؤثرات بسيطة، تنقل سلوم حداد "القدوة" بكل ثقة، ليقنعنا بأننا أمام شيخ شاهدناه كثيراً في المساجد، أو كان يسير خلفنا في المدينة. القصة واقعية إلى درجة تنسينا أن ما نراه سيناريو مضخم برؤية المخرج أو الكاتب. اجتهادات المخرج عامر فهد لعبت دوراً مهمّاً في رسم هوية العمل، وهو من كان له باع طويل مع "مجموعة" شخصيات تاريخية. ليس مستغربًا على من اشترى حقوق سيرة حياة الزير سالم وحوّلها إلى مسلسل أصبح من ذهبيات الدراما السورية والعربية، ويعمل اليوم على رواية "داحس والغبراء" باحثًا عن منتج لها.

المساهمون