في طوابير البنزين السورية: فنّ لحجب البؤس

في طوابير البنزين السورية: فنّ لحجب البؤس

20 ابريل 2019
يعاني النظام من ضغطٍ اقتصادي شديد (Getty)
+ الخط -
يمضي السوريون معظم أوقاتهم هذه الأيام، وهم ينتظرون الحصول على مستلزمات حياتهم اليومية من محروقات، وذلك أمام مراكز توزيع الغاز أو أمام محطات البنزين، إذْ يعاني النظام من ضغطٍ اقتصادي شديد، وعدم القدرة على تدبير أمور البلد بعد الحرب. وفي الوقت الذي كان ينتظر فيه الناس الذين لا يزالون يعيشون في مناطق سيطرة النظام السوري من الحكومة إيجاد حل لأزمة المحروقات، وإنعاش نبض حياتهم مجدداً، أقدمت العديد من المجموعات بتشجيع من النظام على إقامة مبادرات ترفيهية وتثقيفية لمعالجة مشكلة الفراغ التي يعيشها المواطنون في طوابير الانتظار، وكطريقة للتغلب على ملل الانتظار الذي يطول لساعات أحياناً.

أهداف تسويقيَّة

قبل أسبوع، بدأت بعض الشركات التجارية باستثمار أزمة البنزين لأغراض دعائية، وذلك ما فعلته شركة "سبايسي"، والتي قامت بتوزيع ظروف غذائية من منتجاتها، لأصحاب السيارات المنتظرين في الطوابير الطويلة، واستخدمت هاشتاغ "نقرشات وحلويات" للترويج لحملتها. وبدا واضحاً أن هدف هذه الحملة هو تسويقي بحت، وخصوصاً أن الشركة تعاملت مع أصحاب السيارات بوصفهم جمهورها المستهدف، فامتلاكهم سيارة هو دليل على امتلاكهم للمال، فوزعت عيناتها الغذائية على السيارات المصطفة أمام محطات البنزين، ولم توزعها على الأشخاص المصطفين في طوابير الغاز.

استغلال من قبل النظام

بعد ذلك، قامت مجموعة نسائية مجهولة، بتوزيع الورود البيضاء على الناس أثناء انتظارهم، وجرّدت هذا النوع من المبادرات من بُعدها التسويقي، ولكن سرعان ما قام إعلاميو النظام السوري باستثمار هذه الحملة، وتم الترويج لها باعتبارها تعبيراً رمزياً عن محاربة السوريين للأزمات من خلال الورود والسلام. وقام راديو "المدينة إف إم" بتطوير فكرة هذه المبادرات، وإعطائها طابعاً ثقافياً، إذْ أطلق يوم الإثنين الماضي مبادرة "لنقرأ"، بالتعاون مع مجلة "مسارات" ومبادرة "كلمات" ومجلة "القدس"، وهي مبادرة تثقيفية تهدف للتشجيع على القراءة. ويقوم القائمون على المبادرة بتوزيع نسخ من مجلة "مسارات"، وبعض الكتب على السوريين المصطفين عند محطات البنزين.

فضاء مسرحي لحجب بؤس الواقع

وفي الأيام الثلاثة الأخيرة، تحولت محطات البنزين لفضاء مسرحي مفتوح، شهد العديد من العروض الفنية الحية، كانت الغلبة فيها للطابع الشعبي والتراثي، فاصطفت أمام السيارات فرق الدبكة والرقص الشعبي، وقدمت فرق العراضة الشامية عروضها الحية للترفيه عن الناس وملء وقت الفراغ الطويل.
يصعب فهم الاستعراضات في لحظات كهذه، وما جدوى تحويل محطات انتظار الناس لقوتهم واحتياجاتهم اليومية لمسارح مفتوحة، تُعرَض بها هذه الأنواع من الفنون الشعبية؛ فهل من الممكن أن تخفف القراءة وحملات التثقيف الشعبوي من معاناة الشعب السوري؟ وهل تستطيع الاحتفالات والعراضات والرقصات الشعبية أن ترفه عن الناس الذين ينتظرون ساعات طويلة؟ إن ما حدث من عروض فنية في الشوارع السورية في الأيام الأخيرة ، يعتبر أمراً عبثياً بامتياز، فهي نشاطاتٌ تعكس لا جدوى الحياة في الداخل السوري، وهو أشبه بما حدث في فيلم "التايتانيك" لجيمس كاميرون، عندما قامت الفرقة الموسيقية بمواصلة العزف رغم إدراكهم لغرق السفينة.
وبالنسبة لإعلام النظام السوري، فقد بادر لتغطية هذه الفعاليات الثقافية والفنية، وتحدث عنها بوصفها تعبيرا صارخا من الشعب السوري عن الصمود بوجه الأزمات؛ فأعطى مسميات تتوافق مع نهجه الشمولي لهذه المهزلة، وتغنى بها وضمها لقائمة الانتصارات الرمزية الخاصة به، بدلاً من ممارسة دوره في نقل معاناة الشعب وكشف مواطن الفساد.

المساهمون