نقاشٌ مبتور مقابل نقاش مُكرَّر

نقاشٌ مبتور مقابل نقاش مُكرَّر

15 ابريل 2019
"طبيعة الحال" لكريم موساوي: كيف تُناقَش الأفلام؟ (فيسبوك)
+ الخط -
النقاشات الجدّية، التي تُقام بعد عروض أفلامٍ مشاركة في مهرجانات سينمائية عربية، قليلةٌ، بل نادرة. هناك تسطيح يطغى على غالبيتها الساحقة، أو استخدام "مُذهل" لتعابير ومفردات تجعل نقاشات كهذه غير مفيدة. الأسوأ كامنٌ في أن "نقادًا" وصحافيين سينمائيين عربًا يطرحون أسئلة ويقولون تحاليل وتعليقات مسطّحة أو مرتكزة على تعابير ومفردات متشابهة. الفراغ مذهل. ادّعاء المعرفة قاتل. فرض آراء هؤلاء على الأفلام ومخرجيها لا حدود له. فهم يُطالبون السينمائيين بما يريدونه هم وبما يعتقدون به هم وبما يرونه ملائمًا ـ بالنسبة إليهم ـ لتربية أو ثقافة أو سلوك، يغلب عليها حسّ مُحافظ أو متشدّد، ينبع من البيئة العربية المولودين فيها، والمُقيمين فيها دهرًا أو أكثر.

هذا مملّ ونافر. هذا مُسيء إلى السينما، وإلى سينمائيين كثيرين وأفلام كثيرة ومخرجين كثيرين. هذا مؤذٍ لمعنى النقاش والحوار. لكن عربًا عديدين غير آبهين، فهم محصورون في ثقافة يتلقّونها منذ ما قبل الولادة، ونادرون هم القادرون على تخطّيها، لبلوغ الأفضل والأعمق والأجمل والأهمّ. وهم غير مسافرين وغير مطّلعين وغير مشاركين في نشاطات سينمائية دولية. هذا مأزق متنوّع الجوانب، ثقافيًا وسينمائيًا وسلوكًا، فهؤلاء يتنطّحون لطرح أسئلة تبدو في الظاهر حسنةٌ لكن مضمونها مُسطّح ومُكرَّر وساذج. هؤلاء يتغاضون كلّيًا عن جوانب سينمائية تتساوى، بأهميتها، مع الموضوع، وهذا الأخير محور أسئلة يطرحها هؤلاء بلا كلل أو تعب، كأن السينما موضوع فقط.

أساسًا، هناك نقّاد غير مستسيغين هذه الفقرة في البرنامج اليومي للعروض السينمائية في المهرجانات العربية. يقولون إنّ نقاشات كهذه غير مهمّة، إذْ نادرًا ما يُشارك نقّادٌ وصحافيون سينمائيون، جديرون بهاتين الصفتين، فيها، لإدراكهم كيفية مناقشة الأفلام في مهرجانات دولية، تُقام في قاعاتٍ مخصّصة بالمؤتمرات الصحافية، ويُتاح وقتٌ أطول للنقاش، ومع هذا، تُطرح أحيانًا أسئلة عامة ومُكرّرة. نقادٌ وصحافيون سينمائيون عرب، جديرون بهاتين الصفتين، يُفضّلون حوارًا مباشرًا وخاصًّا مع عاملين في الفيلم، أو مع أحدهم على الأقلّ، يكون المخرج/ المخرجة أو الممثل/ الممثلة غالبًا. في مهرجانات عربية عديدة، تُقام نقاشات، يحدّد وقتها سلفًا بدقائق قليلة، في صالة السينما، مع مخرج الفيلم بشكلٍ أساسيّ، فدعوة عاملين عديدين في كلّ فيلم يُرهق ميزانيات المهرجانات السينمائية العربية. أما الدقائق القليلة فتحول دون بروز "مُناقشين سينمائيين جدّيين"، إذْ يُسيطر المسطّحون سريعًا على مكبّرات الصوت، ويبدأون مونولوغات مُكرَّرة ومملّة.

حتّى إن سينمائيين عربًا ـ يعملون في اختصاصات فنية وتقنية مختلفة يبرعون فيها لشدّة انغماسهم في عوالمها وامتلاكهم مفرداتها، ويطرحون أنفسهم كتّابًا ومثقفين وأصحاب "رؤى" سينمائية وثقافية وحضارية وتاريخية وفكرية ـ يتفوّقون على مدّعي نقد ـ وهم مجرّد صحافيين فنيين ـ في تكرار الأسئلة، والاستخدام المملّ للمفردات نفسها في أكثر من نقاش يتناول أكثر من فيلم. السينمائيون العرب، الذين يملكون وعيًا معرفيًا متنوّع الأشكال والاختصاصات والمصادر، قليلون للغاية، كقلّة نقّاد وصحافيين سينمائيين عربٍ، يُثيرون نقاشًا جدّيًا يصطدم سريعًا بضيق الوقت، وإلحاح "مدير" النقاش على التوقّف لاقتراب موعد عرض فيلم آخر، ونقاش آخر يُصاب بالأعطاب نفسها، وبضيق الوقت نفسه.

لذا، يبدو أن إلغاء تلك الفقرة في المهرجانات السينمائية العربية ملحّ للغاية، لعجز عن إيجاد بدائل أفضل وأهمّ.

المساهمون