آدام ماكاي يحقد على ديك تشيني

آدام ماكاي يحقد على ديك تشيني

06 مارس 2019
كريستيان بايل "مرتديًا" شخصية ديك تشيني (فيسبوك)
+ الخط -
لوقتٍ طويل من مسيرته، عُرف المخرج والسيناريست والممثل الأميركي آدم ماكاي (1968) بأفلام خفيفة وكوميدية، بالإضافة إلى عمله التلفزيوني الشهير Saturday Night Live، وله فيه كمخرج حلقات عديدة، قبل أن يفاجئ الجميع، عام 2015، بفيلمه The Big Short، الذي يتناول الأزمة الاقتصادية التي اجتاحت العالم عام 2008، مُقدِّمًا فيه شكلاً سينمائيًا جديدًا ومُبتكرًا لسرد مقدّمات تلك اللحظة المعقّدة وآثارها. والفيلم رُشّح لـ5 جوائز "أوسكار" (2016)، فاز بواحدة منها في فئة أفضل سيناريو مقتبس (ماكاي وتشارلز روندولف عن كتاب: "ذو بيغ شورت: داخل آلة دومسداي" لمايكل لويس). هذا مُشجّع له ليُكمل اشتغاله في الشكل الفني نفسه، مُنجزًا جديده بعنوان Vice، المُرشّح لـ7 جوائز "أوسكار"، فاز بواحدة منها أيضًا (مساء 24 فبراير/ شباط 2019) في فئة أفضل مكياج وتصفيف شعر، نالها غريغ كانّوم وكايت بيسكو وباتريسيا دوهاني، بفضل قدرتهم على إعادة شخصيات شهيرة من الماضي القريب إلى الشاشة الكبيرة.

الفيلم الجديد لماكاي سياسيّ، وقصّته أقلّ تعقيدًا وتداخلاً من The Big Short. يتناول فيه، بشكل خطي، سيرة حياة ديك تشيني، نائب الرئيس الأميركي جورج بوش بين عامي 2001 و2009، والمنسّق الرئيسي لما عُرِف إعلاميًا بـ"الحرب على الإرهاب" بعد اعتداءات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 على أميركا، وتحديدًا اجتياح العراق بدعوى وجود أسلحة دمار شامل (2003).

هناك أكثر من ميزة فيه، مرتبطة كلّها برغبة آدم ماكاي في إخراج فيلم خفيف تسهل مشاهدته، رغم كونه سياسيًا. لذلك، فإنّ بناء المَشَاهد والأحداث مُنساب تمامًا، بفضل صوت الراوي وتعليقاته الساخرة الحادّة، وشرحه السريع لأي سياق يلزم فهمه؛ وعلاقته المبتكرة، المُكتشفة في النهاية، مع تشيني نفسه. كذلك بفضل البناء البسيط والمركّز، الذي يعتمده ماكاي في سرده الأحداث نفسها، وجذبه انتباه المتفرج طوال الوقت، بأسلوب المونتاج السريع الذكي، وبإيقاف الصورة أحيانًا للتعليق على فكرة أو أمر ما، وحتى في اللحظة المضحكة جدًا، التي يُعرض فيها الـ"جينيريك" مع أسماء أبطاله، وذلك في منتصف الفيلم، بعد اعتزال ديك تشيني السياسة، مطلع تسعينيات القرن الـ20، وسرد ماكاي ـ بكلام مكتوب على الشاشة ـ حياة أخرى موازية، يظلّ الرجل فيها مع عائلته، في منزل يُطلّ على بحيرة، ولم تكن حرب مأساوية كالعراق قد اندلعت، قبل أن يُكمل الفيلم سرده العادي، مع مكالمة من مكتب الرئيس بوش، يدعوه فيها إلى أن يكون نائبه، فيتغيّر كلّ شيء بعدها.



لكن، ورغم افتقاد هوليوود لهذا النوع من الأفلام السياسية اللاذعة، منذ أفلام أوليفر ستون في التسعينيات الفائتة، وتحديدًا في "ج أف ك" (1991) و"نيكسون" (1995) تحديدًا، إلّا أن آدم ماكاي يفشل في Vice بنقطة مهمّة: أن يجعل المُشاهد يفكّر ويتأمّل، وأن تُثار في داخله مشاعر حقيقية. الفيلم يعمل فقط بالازدراء، لأن ماكاي ـ كمخرج وكاتب ـ يكره شخصية بطله ويحتقرها بشدّة، ولا يرى فيه نقطة بيضاء واحدة، ولا حتّى رمادية. في مطلع الفيلم مثلاً، يعرض مَشهدًا يعمل فيه ديك تشيني في موقع بناء، وحين تنكسر قدم أحد زملائه، ينظر إليه نظرة سادية متلذّذة من دون سبب، ثم يُكمل عمله. بهذا، يحكم المخرج على بطله (وإنْ يكن "مجرم حرب") منذ أول لحظة، ما يطرح سؤالاً عن كون قرار Vice سرد سيرة شخصية لمن يكرهه صانعه.

إذًا، لماذا لم يُحدّد قصته في فترة الحرب على العراق، باعتبارها النقطة المهمّة؟ أهناك استفادة، حقًّا، من الساعة الأولى (من أصل 132 دقيقة، المدة الكاملة للفيلم)، التي لا تبني أي شيء، سوى القول إنّ هذا الرجل حقير، وإنه يسعى إلى مساعٍ كبيرة أيًا يكن الثمن؟
يأخذ الفيلم المنحى نفسه مع الأسماء الحقيقية الأخرى كلّها، محوّلاً إياها إلى شخصيات كاريكاتورية وهزلية للغاية. بل إن بعض المشاهد، تحديدًا تلك التي يظهر فيها بوش الابن شخصًا لا يفهم شيئًا، تبدو كأنها فقرات قصيرة من برنامج SNL، تسخر من الرئيس وحاشيته.
لعلّ أغرب ترشيح بين جوائز "أوسكار 2019" هو ترشيح سام روكويل عن دور بوش الابن. فلو اعتمد كريستيان بايل وإيمي آدامز على "كاريزما" وثنائية أقرب إلى "ماكبث ولايدي ماكبث" جيّدة أدائيًا، فماذا فعل روكويل لينال ترشيحًا في فئة أفضل دور ثانٍ؟
نتيجة هذا كلّه أن Vice عمل مسلّ ومضحك، وذكي أحيانًا، لكنه سطحي يتعامل مع القشور، فلا يبقى منه شيء يدفع إلى التفكير أو التذكّر بعد انتهائه.

دلالات

المساهمون