الإنتاج العربي: الصراع السعودي ـ السعودي

الإنتاج العربي: الصراع السعودي ـ السعودي

16 مارس 2019
سالم الهندي متوسطاً جورج وسوف وعاصي الحلاني(فرانس برس)
+ الخط -
في منتصف الشتاء الحالي، حاول رئيس هيئة الترفيه في السعودية، تركي آل الشيخ، السيطرة على السوق الفنية المصرية. المعروف، هو أنَّ آل الشيخ متحيِّز إلى مجموعة MBC، التي تحولت إلى شركة مساهمة سعودية، بعد الأزمة الشهيرة التي مرّت بها عام 2017، واعتقال مؤسسها وليد الإبراهيمي، من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ثم الإفراج عنه. وسيطر سعوديون تابعون لمحمد بن سلمان بشكل كامل على المحطة العربية الشهيرة، التي أصبحت مع الوقت وزارة إعلام سعودية مرادفة للوزارة الأصلية. الوزارة التي يترأسها تركي شبانة، الابن البارّ للأمير الوليد بن طلال.

لكن السؤال اليوم هو: ما الذي يحصل داخل "الأجنحة الفنية" للمملكة. الأجنحة الموزعة عشوائياً بين شركة "روتانا"، وبين الشركات الأخرى التي دأبت MBC على تأسيسها منذ سنوات، كالشركات الخاصة بالإنتاج الغنائي مثل "بلاتينيوم

قبل أشهر، بدأت "الأجنحة الفنية" للنظام السعودي بالتمدد إلى العالم العربي. الواضح، هو أن سياسة المملكة، رغم الأعباء السياسية المحيطة بها نتيجة سياسات ولي العهد، تتوجه إلى جذب الفنانين العرب إليها بشتى الوسائل. ولعل "الغيرة" هي الدافع الأول لدى المملكة من أجل السيطرة على السوق الفنيَّة العربيَّة، كما أنّها طريقة لغسل التلوث السياسي الذي يقوم به الطاقم السياسي الحاكم في المملكة.

سالم الهندي، مدير "روتانا" للصوتيات، تحوّل قبل أشهر إلى "سندباد" بين الفنانين، إذْ حاول إقناعهم بالعودة إلى "حضن" الشركة، نظراً للصداقة التي بناها الأمير الوليد بن طلال، مؤسس "روتانا" مع الفنانين في فترة التسعينيات. عقود واتفاقيات، عادت بتحولات غريبة على السوق الفنية العربية. إذْ كثر الإنتاج الموسيقي، وانخفضت النوعية، وضعف استهلاك سوق الـ"سي دي"، في وقت استفادت "روتانا" من المهرجانات والحفلات التي كانت تشارِك بها، وتحوَّلت مع الوقت إلى هدفٍ أوحد يواجه مساحة الاستهلاك وكساد السوق الفني و"القرصنة"، ولاحقاً دخول "الدب" التكنولوجي، كالمنصّات ووسائل التحميل على الهواتف الذكية وغيرها. مرحلة المال السعودي في الموسيقى العربية، يصنّفها النقاد أسوأ مرحلة فنية في تاريخ الموسيقى العربية.

لم ترُق فكرة سيطرة "روتانا"، وعودة المغنين إلى حضن الشركة بعض المسؤولين السعوديين. قبل أسبوع، تم تعيين زياد حمزة المدير العام لقطاع الموسيقى والإذاعات في MBC، عضواً في المجلس الاستشاري لصناعة الصوتيات في السعودية، وهو تابع للهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع. وأهم أهداف هذا المجلس المستحدث، هو مناقشة سبل تطوير وتنمية صناعة الصوتيات في المملكة العربية السعودية، والخروج بتوصيات من أجل حفظ حقوق مؤلفي الموسيقى والملحنين والناشرين بالوسائل العلمية الشفافة والعادلة.

عناوين برّاقة حملها زياد حمزة إلى عدد من الفنانين في لبنان، فالتقى وليد توفيق وعاصي الحلاني والملحن مروان خوري، وراغب علامة. زيارات مكوكية مشابهة لتلك التي قام بها زميله الكويتي سالم الهندي، قبل أشهر، ووثقها الهندي بفيديوهات مع الفنانين الذين عادوا أدراجهم إلى "روتانا"، ومنهم نجوى كرم وإليسا وفارس كرم. فيما لم يوفق الهندي بتوقيع العقد مع وائل كفوري، ليعيده إلى الشركة. مع العلم أن المرحلة لا تزال مرحلة تفاوض بين صاحب "ما وعتك بنجوم الليل" وبين "روتانا"، التي تتولى من بعيد مشاركته في بعض الحفلات والمهرجانات العربية. أيقنت MBC أن عليها مواجهة السوق الفنية في لبنان. ولعل وصولها متأخرة بعد صفقات وعقود المغنين اللبنانيين مع "روتانا"، خير لها من أن تبقى خارج اللعبة.

الهندي وحمزة، على ما يبدو، يقومان بمبادرة صراع "أخوي" لنمط جديد، يقوده وزير الإعلام السعودي تركي شبانة، "المولع" بالفنانين اللبنانيين، نظراً لإقامته ما لا يقل عن عقدين في بيروت. كما يحمل خبرة من خلال المهام التي تولاها في إدارة برامج MBC قبل أن يتركها، ويصبح رئيسًا لقنوات "روتانا"، ومنتجاً منفّذاً لبرامج فنية ترفيهية بيعت إلى MBC و"روتانا". كما بنى شبانة سلسلة من العلاقات الفنية الخاصة مع بعض المنتجين المصريين، حينما أسهم قبل سنوات في إنتاج مسلسلات كانت مادّة جيدة للدراما الرمضانية الموسمية. لكن سباقه مع MBC التي تخرج فيها، كان كـ"السلحفاة"، مقارنة بـ "روتانا"، نظراً لغياب الرأس المدبر لـ "روتانا"، وتأرجح قسم التسويق بين مصالحه الخاصة والانتكاسات المالية التي دفعت الأمير الوليد بن طلال للكفّ عن ضخ المال للشركة سنة 2009، وتسليم القيادة لسالم الهندي في قسم الصوتيات، وتركي شبانة لقسم المرئيات، وكذلك عن مطالبتهما بإعلان ميزانية مالية خاصة لمواصلة العمل وتوزيع الرواتب، من خلال عائدات الدعاية والمبيعات للإنتاجات التي تحمل "لوغو" العلامة الخضراء. تركي شبانة حقق مكاسب مالية جيدة قياساً إلى قسم الصوتيات التابع للشركة، الذي استنجد بالتسويق والإعلانات، منها ضمن "الكليبات". الأمر الذي وفر مبالغ طائلة على الشركة، وأبقت المغنين ضمنها. بعدها، اتبعت الشركة عقوداً لتقاسم جزء من العائد المالي للمغنين من ضمن ميزانية أو أجور الحفلات أو المهرجانات التي تُقام. في وقت لجأ فيه عدد ضئيل من الفنانين إلى شركة "بلاتينوم ريكوردز"، لكنهم لم يحققوا تقدماً يذكر، إذْ كانت الشركة لهم مجرد حضور أو نقطة ارتكاز قدمتها "بلاتينوم" لهذا البعض القليل، مثل أحلام وملحم زين وكاظم الساهر وراشد الماجد.

أسئلة كثيرة تجيب عنها الأيام القليلة المقبلة. الفنانون العرب يبحثون عن ملجأ؟ لكن هل تكون المملكة ملجأً آمناً لهؤلاء بعيداً عن الأهواء السياسية؟

المساهمون