باسل زايد يغنّي أنسي الحاج: لأنّكِ الضباب المهاجر

باسل زايد يغنّي أنسي الحاج: لأنّكِ الضباب المهاجر

19 فبراير 2019
فكرة العمل تبتعد عن النمط التقليدي (العربي الجديد)
+ الخط -
عبر تاريخها، تصدّت الأغنية العربية إلى مختلف الأشكال النّصية والشعريّة من أجل غنائها؛ من المحكية، إلى العمودية، والتفعيلة. شعراء معاصرون كثيرون عرفت قصائدهم طريقها إلى الغناء. ربّما، على رأسهم، محمود درويش ونزار قبّاني. لكن، بقيت معظم التجارب الغنائية محصورةً في القصيدة العمودية، أو التفعيلة؛ أي القصائد الموزونة والمُقفّاة، مقابل تجارب قليلة جدّاً، وربّما نادرة، راحت إلى قصيدة النّثر وأنشدتها.

مرّت، أمس، خمسة أعوام على رحيل الشاعر اللبناني أنسي الحاج (1937 - 2014). نالت بعض قصائده النثرية نصيباً من التلحين، والغناء، أكثر من سواه من شعراء هذه القصيدة؛ حتى إن بعضهم لم يُلحَّن له شيء. من هؤلاء الذي تغنّوا بقصائد أنسي، نذكر عابد عازرية، وماجدة الرومي. وأخيراً، أطلّ علينا الموسيقي والملحّن الفلسطيني، باسل زايد، بأغنية "الكاذب"، وهي قصيدة أنسي الحاج "متى صدق الكاذب"، من مجموعته "ماذا صنعت بالذهب.. ماذا فعلت بالوردة".

في لحنه، الذي ينتمي إلى مقام الكُرد، تخلّى زايد عن قالب القصيدة التقليدي، واتّجه إلى القالب الحرّ. لعلّ هذا ما تفرضه القصيدة نفسها، المُتخفّفة من الأعباء التقليدية، من وزن وقافية، لتمنح الموسيقي مساحةً حُرّةً في بناء لحنه، حتى وإن لم يخلُ من التعبيرية التي يقترحها النّص نفسه على الألحان. من القصيدة: "أعليتُ رايتي لتلفحَهَا الرياح، وكدهرٍ تنظرُ عيناي إليكِ/ فقد سمعتُ في عينيكِ عذابي ينام/ سأحبّكِ لأنّكِ الضّباب المهاجر، وأنا الرّيحُ وراء الضباب".

في حديث إلى "العربي الجديد"، يقول باسل زايد: "لعلّ الشاعر أنسي الحاج من أوائل مَن قدّموا مُقترحاً مغايراً على الشعرية العربية؛ فمجموعته الأولى، "لن"، التي صدرت في عام 1960، ومنذ عنوانها، كانت بمثابة رفض لكل ما هو سائد، وجاءت تعبيراً وتبشيراً بمرحلة شعرية جديدة في العالم العربي".

يضيف زايد: "من هنا، أعتقد، كان لا بدّ للموسيقى العربية، أيضاً، أن تنفتح على مساحات تجريبية واسعة، أكبر من تلك التي انحصرت فيها، خصوصاً على مستوى النصوص".

يوضّح: "هذا، طبعاً، لا يعني القطيعة من التراث الموسيقي والشعري العربيين، وإنّما الانطلاق منهما إلى آفاق أُخرى، تمنعنا من البقاء في منطقة تنتمي إلى الماضي والتمسُّك بها بتعصّب، بل لا بدّ للموسيقى، كما في الشعر، أن تتقدّم وتتسع وتحاول أن تبحث لنفسها عن مساحات أرحب، لم يطأها أحد".

في حديثنا مع زايد، نسأله إن كانت هذه الأغنية مجرّد عمل منفرد، أم أنها جزء من مشروع أكبر؟ يجيب: "في الحقيقة، أعمل حالياً على تلحين مجموعة نصوص، كلها تنتمي إلى قصيدة النثر، لعدد من الشعراء، أُنسي الحاج أحدهم، والشاعر وديع سعادة كذلك، وسركون بولص، وغيرهم".

يضيف: "جاءت فكرة العمل انطلاقاً من الابتعاد عن النمط التقليدي في اختيار النصوص التي اعتدنا أن نسمعها. هي بلا شك قصائد رائعة. لكنني، أيضاً، أتساءل: هل هذا كل شيء؟ في رأيي، هناك شعراء عرب كثيرون تم تجنّبهم، موسيقياً، فقط لأنّهم لا يكتبون قصائد موزونة ومقفّاة، وأعتقد أن هذا الأمر بمثابة امتناع، أو تخوّف، من التجريب في تلك المساحات. ومن هنا، جاءت رؤيتي في هذا المشروع الذي أعمل عليه، وآمل أن يخرج للجمهور قريباً".

المساهمون