فيلمان عربيان في "البرليناله الـ69": خيبة سينمائية

فيلمان عربيان في "البرليناله الـ69": خيبة سينمائية

17 فبراير 2019
المخرج اللبناني غسّان سلهب (Getty)
+ الخط -
من الأفلام العربية المعروضة حتى الآن في الدورة الـ69 (7 ـ 17 فبراير/ شباط 2019) لـ"مهرجان برلين السينمائي"، وهي قليلة جدًا، هناك الوثائقيان "وردة متفتّحة" للّبناني غسان سلهب (المنتدى)، و"عرب غربيون" للفلسطيني الدنماركي عمر شرقاوي (بانوراما).
جديد غسان سلهب يأتي بعد وثائقي سابق له أنجزه عام 2016 بعنوان "حبر صيني". باللغة العربية، اسمه "وردة"، بينما "وردة متفتّحة" هو العنوان الألماني. العنوانان مستمدّان من اسم المناضلة والفيلسوفة البولندية الماركسية روزا لوكسمبورغ (1871 ـ 1919)، التي يُقدّرها الألمان كثيرًا، هي التي اغتيلت في برلين، حيث هناك ساحة وجسر ومحطة مترو تحمل كلّها اسمها تخليدًا لذكراها وكفاحها. والفيلم يتمحور حولها، لا كسيرة ذاتية أو تأريخ أو توثيق عن حياتها، بل كمحاولة للاقتراب من عالمها، عبر رسائل كانت تكتبها في سجنها، وتفيض بكثير من الشعر والفلسفة والحب والأمل والثوريّة.

لكن الفيلم ليس على مستوى الشخصية، ولم يكن محاولة جادة ومشجّعة للاقتراب، لأن سلهب أراد أن يكون فيلمه مغايرًا للمألوف، لكنه لم يوفَّق في تحقيق ذلك. فهو صوّر لقطات كثيرة وثابتة لجسر روزا لوكسمبورغ، ولقطارات المترو العابرة فوقه. وهناك لقطات أخرى مُصوَّرة بالكاميرا المحمولة لمناطق مختلفة من برلين، قريبة أو بعيدة عن مكان الجسر. لقطات ساكنة/ صامتة، لا يحدث ولا يتغيّر فيها أي شيء، تمتدّ على دقائق طويلة يسودها الصمت، أو تُسمع وتُقرأ على الشاشة مقاطع من كتاباتها. هذا كلّه متداخل مع لقطات أخرى ثابتة لامرأتين لبنانيتين تقرأان بلغة ألمانية متمكِّنة مقاطع من كتاباتها. أحيانًا تكتب الترجمة الإنكليزية، وأحيانًا أخرى تُسمع جمل بالعربية.
لكن، لماذا اختيرت تلك المقاطع من كتاباتها بالتحديد، المُلهمة من دون شك؟ الأمر متعلّق بحشو زمني لجعل مدّة الفيلم أكثر من ساعة. وإلى ذلك، هناك العديد مما هو غير مفهوم، كالفرقة الموسيقية التي تعزف موسيقى حديثة في الختام. بالإضافة إلى لقطات أرشيفية بالأسود والأبيض من زمن الحرب: جنود ودبابات ودمار، إلخ. خليطٌ أراد غسان سلهب أن يخلق منه بعض تجانس لبلوغ معنى ما. وهذا لم يتحقّق، لتشتّت البوصلة، وعدم وضوح الرؤية في ذهنه، أو لعجزه عن التعبير الفني الصحيح.
افتقاد البوصلة يسم جديد عمر شرقاوي، "عرب غربيون"، أيضًا. التشتّت هنا ليس بالغًا، لكن التركيز ضائعٌ بسبب رغبته في مزيجٍ يتناول قضية العرب في الغرب، وشخصيته هو، وعلاقته بوالده منير. والفيلم ليس كما يوحي العنوان، أي عن العرب عامة في الغرب. صحيح أن هناك في البداية كلامًا عنهم وعن أوضاعهم، وعن رؤية الآخر لهم في الغرب، وتعامهلم معهم. لكن، تدريجيًا، تقتصر الرؤية على أسرة المخرج، وتحديدًا والده، وعلى الدنمارك فقط. إذًا، هذا ليس فيلمًا عن عرب الغرب. كأن شرقاوي بدأ عمله برغبة في تناول أحوال العرب في الغرب، لكن الرؤية تغيّرت مع وفاة والده، ما جعله يُهدي الفيلم إلى روحه.

في الفيلم قدرٌ من التطهّر والاعتذار وطلب السماح والمغفرة من الأب تجاه كل ما بدر من الابن نحوه. ورغم هذا، لم يغرق "عرب غربيون" في الذاتية، كما أن في الفيلم خليطًا فنيًا جيدًا، بوجود خيوط عديدة يمكن الإمساك بها، ويسهل استيعابها والاستمتاع بها. قوام الخليط فيديوهات منزلية قديمة، صوّرت الوالد في فترات حياتية مختلفة في أعوامه الأخيرة، بالإضافة إلى مرحلتي المرض والوفاة. هناك لقطات قليلة من أعمال سابقة أو أثناء تصوير شرقاوي لها أو لغيرها، وأخرى من ميدان التحرير زمن "ثورة 25 يناير" (2011) المصرية، وأثناء زيارته فلسطين بحثًا عن هويته وجذوره. أخيرًا، هناك صُور ولقطات تُعبِّر عن شخصيته العصبيّة والحادّة، تجاه الأسرة أو في العمل.

دلالات

المساهمون